عندما يأتي الغروب
عندما يأتي الغروب
قمت مفزوعا من النوم كالعادة صباحا على صوت رنة الموبايل وهو اعلان ببدء يوم عمل جديد. اغلقت الرنة وقمت مباشرة الى الحمام لكي امارس طقوس الصباح.عادة هذه الطقوس لاتزيد عن خمس دقائق فانني لست من الطائفة التي تقضي ربع حياتها في الحمام. اتممت الطقوس وخرجت مباشرة الى الكنبة التي القي عليها متعلاقتي الشخصية وملابسي فانني لا أؤمن بالدولاب وانه صنع لكي نضع فيه ملابسنا فهذا كان دائما مصدر الخلاف بيني وبين زوجتي ولكن هذا الخلاف لايفسد للود قضية. ارتديت البنطلون ثم القميص ولكن لم اربط الكارافتة حيث انني لا املك كرافتة حتى عندما حضرت فرح احدى الاصدقاء استعرت احداها من صديق حميم. عانيت من رباط الجزمة كالعادة بسبب نتوء بسيط يطلقون عليه الكرش يمنعني من اتخاذ وضع زاوية حادة ورغم انني اعاني من هذا الكرش لكني احمله معي اينما ذهبت. اتجهت الى شنطتي التي اخذها معي الى العمل ووضعت فيها اوراقي وادواتي التي تعينني خلال اليوم ولم انسى الساندوتشات فهي الذكرى الوحيدة التي بقيت معي من ايام المدرسة اللذيذة. راجعت اوراقي ورتبتها داخل الشنطة الترتيب التالي. ورقة الانسانية وورقة الصدق وورقة الكفاح وورقة العزيمة وورقة الامل وورقة السعادة وورقة الاطمئنان. بعد التاكد من كل شئ ايقظت زوجتي كالعادة وسألتها ان كانت تريد شيئا احضره معي اثناء رجوعي من العمل فاشارت الي باصبعها بان كله تمام. اتجهت مباشرة الى الباب وفتحته ونزلت على السلم اعد درجاته الخمسين تماما مثل درجاتي في الثانوية العامة فكل شي اقابله يذكرني بالذي مضى. لم يكن موقف الاتوبيس يبعد كثيرا عن المنزل وهي رحمة من الله ورضوانه. بعدما وصلت الى محطة الاتوبيس تذكرت انني نسيت صلاة الصبح فقلت في نفسي ساصليها عند وصولي العمل مباشرة. محطة الاتوبيس عندي هي محطة التقاء الحضارات ففيها يمر الاتوبيس بتاع زمان والميكروباص واحيانا كثيرة التاكسي الذي يمر ويغازلك بانواره لكي تركبه ولكني كنت من هواة ركوب الميكروباص لان اجرته معروفة ولن يصدمك باجر زيادة بالاضافة لوجود الونس فانني اشعر بالوحشة والعزلة اثناء ركوبي التاكسي وهي فوبيا متلازمة عندي منذ ان كنت صغيرا. جاء الاتوبيس اولا فاضطررت الى ركوبه برغم الزحام ولكنها ارادة الله تدافعت لكي اصل الى ركن يعصمنى من مناكب البشر واردافهم. نظرت من بين اطلال البشر الى الشارع المتحرك اثناء سير الاتوبيس وانا احمل شنطتي بين ذراعي قبل ان يصل الاتوبيس الى محطتي اقتربت من الباب الامامي فقد كنت اشق طريقي بصعوبة واشم راحة عرق الناس بالرغم من ان اليوم لم يبدأ بعد للجميع. وصل الاتوبيس الى المحطة ونزلت بعد ان نطقت الشهادتين خوفا من ان يدركني الموت قبل نزولي. سيرت في خط متعرج لكي اصل الى بوابة العمل الخلفية فانني كنت اتحرج الدخول من البوابة الامامية سيرا على الاقدام لانها البوابة التي يدخل منها من لديه سيارة وبما انني لم ولن املكها في يوم من الايام فلا اريد نظرات الشفقة التي تطل علي من آن الى اخر من الزملاء الوجهاء. بعد ان دخلت المكتب فتحت شنطتي واخرجت اوراقي فلم اجد ورقة الانسانية . يا الله رحماك من هذا العذاب الورقة سرقت مني داخل الاتوبيس نشلها سارق لم اشعر بيده وهو يسحبها. حزنت كثيرا حتى انني لم افق على صوت المدير وهو يدخل مكتبي. بعد ان انتبهت سألني المدير لماذا لم ترد فأجبته بان ورقة الانسانية سرقت مني وهي ورقة مهمة من اوراق العمل. فهدأني وقال لي انه ممكن ان اعمل بدونها فهي لن تؤثر على العمل كثيرا. اراحني رايه لانني خفت ان يتهمني بالاهمال. بدأت عملي بنشاط وهمة وواصلت رفع المعاناة عن كاهل بعض زملاء العمل الى ان جاء ناد ينادي بان الزيادة في المرتب قد نزلت اخيرا وقال لنا ان ندعو بالمغفرة الى صاحب الشركة اللذيذ. فهجمنا جميعا على الصراف مثل الجيوش المغيرة ووقفنا كومة من اللحم على شباك الصراف كمثل التي اراها على افران العيش. عند هذه اللحظة اعترتني سنة من الشرود وتذكرت اينشتين عندما قال انه لايوجد شي في الكون اسمه خط مستقيم . فهل ترانا توصلنا نحن الى هذه النتيجة قبل اينشتين؟ لايهم المهم ان ارجع محملا بالزيادة نافخا جيبي من خيرات الله ونعمه. عندما وصلت الى وجه الصراف رايته غير مبتسما مع انه سيناله مثلنا من هذه الزيادة ولكن عندما قبضت المبلغ ادركت انه على حق في عبوسه. فلم تكن الزيادة الا ثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فينا من الزاهدين. فعبست مثله ورجعت الى مكتبي وانا احاور نفسي واقول لماذا يكذبون علينا بشأن هذه الزيادة.هل معنى الزيادة التي يقصدون هي زيادة رمزية لاتسمن ولا تغني من جوع ام ان المقصود زيادة تقلل وترفع عن كواهلنا بعض العبء؟ لم افهم ماذا يحدث ولكن عندما دخلت مكتبي وكدت اقعد على الكرسي اصدمت يدي بداواية الحبر فسقطت على ورقة الصدق ودمرتها. حاولت كثيرا ازالة الحبر ولكني فشلت تماما لان الحبر كان من النوع الشيني الفاخر. تألمت ولم اتحرك كأني صنما يعبد الى ان دخل المدير ليسألني عن بعض الاعمال فوجدني كذلك وعندما حكيت له ماحدث هدأ من روعي وقال لي لاتحزن ان الله معنا ويمكن ان اعمل من غيرها ولايجب ان التفت الى الماضي فالمستقبل مشرق. كلام المدير رفع من روحي المعنوية ثانية وجعلني ارمي هذه الاحداث السوداء خلف ظهري والتحفت رداء الهمة وبدأت العمل من جديد مسلح بكل مقومات الحياة. قمت لتوي لانجز ما بدأته بكل همة ونشاط فصار بيني وبين وصولي خط النهاية نصف ساعة الى ان دخل المدير وطلب مني ورقة الكفاح. اعطيته الورقة وما ان وقعت الورقة في يده حتى مزقها الى قطعا صغيرة فعاتبته وقلت له لماذا فعلت ذلك فقال لانني غير مجد في العمل واخطائي كثيرة وخرج مسرعا من المكتب وانا واجم لااعرف بماذا اجيب. فبكيت من فوري وسقطت دموعي على المكتب ولم يوقفها الا دخول احد الزملاء الذي ترقى اخيرا ونال منصبا رفيعا بالرغم من اننا دخلنا هذه الشركة في نفس التوقيت ولكنه كان من اصحاب الحظوة. قال لي هذا الزميل ان المدير يطلب مني ان اعمل ساعات عمل زيادة حتى اتم بعض الاعمال وانه يوعدني باضافة ساعات العمل هذه على المرتب فقد كان النظام ان من يعمل زيادة يأخذ مرتب زيادة. فوافقت ولم اتكلم عسى ان تكون هذه الزيادة مقبولة لتعينني على نوائب الدهر.ظللت هكذا اعمل في المكتب الى ان قاربت الساعة السادسة مساء فتوقفت عن العمل بعد ان اعياني طول النظر في الكمبيوتر الموضوع امامي. فقمت الى الالة التي تسجل وقت الخروج لكي اسجل وقت خروجي فيها ولكنني وجدتها مغلقة بفعل فاعل وعندما سألت الفراش من اوقفها قال لي بانه المدير اوقفها قبل مغادرة الشركة. فلممت اوراقي من على المكتب وهممت بالانصراف ولكني لم انسى ان اخرج الى شرفة مكتبي والقي ورقة الكفاح بيدي. غادرت مبنى الشركة واتجهت صوب محطة الاتوبيس وانا اجر اذيال الخيبة. تذكرت فجأة وانا على محطة الاتوبيس انني لم اصلي الصبح او الظهر او العصر فوجدتني لا استطيع ان اعود الى الجامع القريب لكي اصلي مافتني من فروض وكأن ارجلي اصبح معلقا فيها اثقال العذاب. فتحت شنطتي لكي اتمم على مابقى من اوراقي قبل حضور الاتوبيس فوجدت ورقة العزيمة وقد انطمست ملامحها ولا اعرف ما الذي طمسها.
ركبت الاتوبيس وقد وجدته نصف فارغ فاعانني هذا على ان اجد كرسي شاغر جلست عليه ونظرت من النافذة فهي كل ماتبقى لي لكي ارى الدنيا. اثناء جلوسي مر بجانبي رجل يحمل مذياع يبث اخر اخبار المباراة الفاصلة الدائرة رحاها الان. فتعلقت اذني بالمذياع وعيني ظلت كما هي على الدنيا. ولا اعلم لماذا كنت موقن بهزيمتنا مع انني كنت ادعو الله ان يقف بجانبنا لكي نحقق النصر المبين. قبل وصول الاتوبيس الى محطتي كانت نهاية المباراة . وكما ايقنت كانت النتيجة. حمدت الله كثيرا على السراء والضراء وقلت في نفسي خيرها في غيرها. احسست انني جوعان فتذكرت انني لم اتناول الساندوتش الذي كان معي ففتحت شنطتي واخرجت الساندوتش وهممت بتناوله ولكن عيني وقعت على ورقة الامل وقد وجدتها وقد انعكست حروفها واصبحت (لم لاا) استغربت كثيرا مما حدث ولااعرف كيف تم هذا هل هناك شيطان داخل الشنطة؟
وصل الاتوبيس الى محطتي فنزلت وقد خف حمل الشنطة كثيرا فاعانني هذا على المسير الى البيت. قبل وصولي الى البيت استوقفني صديق لي وقد توفى والده مؤخرا وكان يعلوه الحزن. ملابسه غير مهندمه وذقنه كانها غابات افريقيا سلمت عليه وخفت ان اقبله حتى لايلدغني ثعبان متربص داخل ادغال ذقنه. سألته لماذا يترك نفسه هكذا فانه سيموت كمدا لامحالة ان استمر حزينا. فقال لي ماذا يفعل وكل الدنيا سوداء في عينيه. فقلت له دواؤك عندي ففتحت شنطتي واخرجت ورقة السعادة وناولته اياها. نظر الي شذرا ولم ينبس ببنت شفه. تركته على حاله حتى لايصيبني ما اصابه فقد كنت وما زلت احمل بقايا النفس البشرية.
وصلت الى البيت اخيرا طرقت باب المنزل ففتحت لي زوجتي وهي تبكي فسألتها ماذا حدث فقالت لي انه جاء اليوم رجل من الحي ومعه قرار بهدم العمارة التي نسكن فيها فقلت لها كيف ذلك ان العمارة لم يفت على بنائها ثلاث سنوات وهي جديدة تماما. فقالت انه يقول ان بها شروخ وتصدعات في الادوار العليا نتيجة عيب فني ويجب ان يخلي السكان العمارة والا وقعت على رؤوسهم. تبسمت ضاحكا مما قالته وتركتها هكذا وخرجت الى شرفة البيت انظر الى الشمس وهي تداري كسفتها وحزنها علي. عندها لم يبق من الدنيا التي انظر اليها غير الشنطة التي مازلت احملها فرفعتها عاليا وقذفتها بما تبقى فيها من اوراقي. وقبل ان تصل الى ارض الشارع ارتفع صوت اذان المغرب عاليا يعلن ميلاد المساء وموت الاطمئنان.
قمت مفزوعا من النوم كالعادة صباحا على صوت رنة الموبايل وهو اعلان ببدء يوم عمل جديد. اغلقت الرنة وقمت مباشرة الى الحمام لكي امارس طقوس الصباح.عادة هذه الطقوس لاتزيد عن خمس دقائق فانني لست من الطائفة التي تقضي ربع حياتها في الحمام. اتممت الطقوس وخرجت مباشرة الى الكنبة التي القي عليها متعلاقتي الشخصية وملابسي فانني لا أؤمن بالدولاب وانه صنع لكي نضع فيه ملابسنا فهذا كان دائما مصدر الخلاف بيني وبين زوجتي ولكن هذا الخلاف لايفسد للود قضية. ارتديت البنطلون ثم القميص ولكن لم اربط الكارافتة حيث انني لا املك كرافتة حتى عندما حضرت فرح احدى الاصدقاء استعرت احداها من صديق حميم. عانيت من رباط الجزمة كالعادة بسبب نتوء بسيط يطلقون عليه الكرش يمنعني من اتخاذ وضع زاوية حادة ورغم انني اعاني من هذا الكرش لكني احمله معي اينما ذهبت. اتجهت الى شنطتي التي اخذها معي الى العمل ووضعت فيها اوراقي وادواتي التي تعينني خلال اليوم ولم انسى الساندوتشات فهي الذكرى الوحيدة التي بقيت معي من ايام المدرسة اللذيذة. راجعت اوراقي ورتبتها داخل الشنطة الترتيب التالي. ورقة الانسانية وورقة الصدق وورقة الكفاح وورقة العزيمة وورقة الامل وورقة السعادة وورقة الاطمئنان. بعد التاكد من كل شئ ايقظت زوجتي كالعادة وسألتها ان كانت تريد شيئا احضره معي اثناء رجوعي من العمل فاشارت الي باصبعها بان كله تمام. اتجهت مباشرة الى الباب وفتحته ونزلت على السلم اعد درجاته الخمسين تماما مثل درجاتي في الثانوية العامة فكل شي اقابله يذكرني بالذي مضى. لم يكن موقف الاتوبيس يبعد كثيرا عن المنزل وهي رحمة من الله ورضوانه. بعدما وصلت الى محطة الاتوبيس تذكرت انني نسيت صلاة الصبح فقلت في نفسي ساصليها عند وصولي العمل مباشرة. محطة الاتوبيس عندي هي محطة التقاء الحضارات ففيها يمر الاتوبيس بتاع زمان والميكروباص واحيانا كثيرة التاكسي الذي يمر ويغازلك بانواره لكي تركبه ولكني كنت من هواة ركوب الميكروباص لان اجرته معروفة ولن يصدمك باجر زيادة بالاضافة لوجود الونس فانني اشعر بالوحشة والعزلة اثناء ركوبي التاكسي وهي فوبيا متلازمة عندي منذ ان كنت صغيرا. جاء الاتوبيس اولا فاضطررت الى ركوبه برغم الزحام ولكنها ارادة الله تدافعت لكي اصل الى ركن يعصمنى من مناكب البشر واردافهم. نظرت من بين اطلال البشر الى الشارع المتحرك اثناء سير الاتوبيس وانا احمل شنطتي بين ذراعي قبل ان يصل الاتوبيس الى محطتي اقتربت من الباب الامامي فقد كنت اشق طريقي بصعوبة واشم راحة عرق الناس بالرغم من ان اليوم لم يبدأ بعد للجميع. وصل الاتوبيس الى المحطة ونزلت بعد ان نطقت الشهادتين خوفا من ان يدركني الموت قبل نزولي. سيرت في خط متعرج لكي اصل الى بوابة العمل الخلفية فانني كنت اتحرج الدخول من البوابة الامامية سيرا على الاقدام لانها البوابة التي يدخل منها من لديه سيارة وبما انني لم ولن املكها في يوم من الايام فلا اريد نظرات الشفقة التي تطل علي من آن الى اخر من الزملاء الوجهاء. بعد ان دخلت المكتب فتحت شنطتي واخرجت اوراقي فلم اجد ورقة الانسانية . يا الله رحماك من هذا العذاب الورقة سرقت مني داخل الاتوبيس نشلها سارق لم اشعر بيده وهو يسحبها. حزنت كثيرا حتى انني لم افق على صوت المدير وهو يدخل مكتبي. بعد ان انتبهت سألني المدير لماذا لم ترد فأجبته بان ورقة الانسانية سرقت مني وهي ورقة مهمة من اوراق العمل. فهدأني وقال لي انه ممكن ان اعمل بدونها فهي لن تؤثر على العمل كثيرا. اراحني رايه لانني خفت ان يتهمني بالاهمال. بدأت عملي بنشاط وهمة وواصلت رفع المعاناة عن كاهل بعض زملاء العمل الى ان جاء ناد ينادي بان الزيادة في المرتب قد نزلت اخيرا وقال لنا ان ندعو بالمغفرة الى صاحب الشركة اللذيذ. فهجمنا جميعا على الصراف مثل الجيوش المغيرة ووقفنا كومة من اللحم على شباك الصراف كمثل التي اراها على افران العيش. عند هذه اللحظة اعترتني سنة من الشرود وتذكرت اينشتين عندما قال انه لايوجد شي في الكون اسمه خط مستقيم . فهل ترانا توصلنا نحن الى هذه النتيجة قبل اينشتين؟ لايهم المهم ان ارجع محملا بالزيادة نافخا جيبي من خيرات الله ونعمه. عندما وصلت الى وجه الصراف رايته غير مبتسما مع انه سيناله مثلنا من هذه الزيادة ولكن عندما قبضت المبلغ ادركت انه على حق في عبوسه. فلم تكن الزيادة الا ثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فينا من الزاهدين. فعبست مثله ورجعت الى مكتبي وانا احاور نفسي واقول لماذا يكذبون علينا بشأن هذه الزيادة.هل معنى الزيادة التي يقصدون هي زيادة رمزية لاتسمن ولا تغني من جوع ام ان المقصود زيادة تقلل وترفع عن كواهلنا بعض العبء؟ لم افهم ماذا يحدث ولكن عندما دخلت مكتبي وكدت اقعد على الكرسي اصدمت يدي بداواية الحبر فسقطت على ورقة الصدق ودمرتها. حاولت كثيرا ازالة الحبر ولكني فشلت تماما لان الحبر كان من النوع الشيني الفاخر. تألمت ولم اتحرك كأني صنما يعبد الى ان دخل المدير ليسألني عن بعض الاعمال فوجدني كذلك وعندما حكيت له ماحدث هدأ من روعي وقال لي لاتحزن ان الله معنا ويمكن ان اعمل من غيرها ولايجب ان التفت الى الماضي فالمستقبل مشرق. كلام المدير رفع من روحي المعنوية ثانية وجعلني ارمي هذه الاحداث السوداء خلف ظهري والتحفت رداء الهمة وبدأت العمل من جديد مسلح بكل مقومات الحياة. قمت لتوي لانجز ما بدأته بكل همة ونشاط فصار بيني وبين وصولي خط النهاية نصف ساعة الى ان دخل المدير وطلب مني ورقة الكفاح. اعطيته الورقة وما ان وقعت الورقة في يده حتى مزقها الى قطعا صغيرة فعاتبته وقلت له لماذا فعلت ذلك فقال لانني غير مجد في العمل واخطائي كثيرة وخرج مسرعا من المكتب وانا واجم لااعرف بماذا اجيب. فبكيت من فوري وسقطت دموعي على المكتب ولم يوقفها الا دخول احد الزملاء الذي ترقى اخيرا ونال منصبا رفيعا بالرغم من اننا دخلنا هذه الشركة في نفس التوقيت ولكنه كان من اصحاب الحظوة. قال لي هذا الزميل ان المدير يطلب مني ان اعمل ساعات عمل زيادة حتى اتم بعض الاعمال وانه يوعدني باضافة ساعات العمل هذه على المرتب فقد كان النظام ان من يعمل زيادة يأخذ مرتب زيادة. فوافقت ولم اتكلم عسى ان تكون هذه الزيادة مقبولة لتعينني على نوائب الدهر.ظللت هكذا اعمل في المكتب الى ان قاربت الساعة السادسة مساء فتوقفت عن العمل بعد ان اعياني طول النظر في الكمبيوتر الموضوع امامي. فقمت الى الالة التي تسجل وقت الخروج لكي اسجل وقت خروجي فيها ولكنني وجدتها مغلقة بفعل فاعل وعندما سألت الفراش من اوقفها قال لي بانه المدير اوقفها قبل مغادرة الشركة. فلممت اوراقي من على المكتب وهممت بالانصراف ولكني لم انسى ان اخرج الى شرفة مكتبي والقي ورقة الكفاح بيدي. غادرت مبنى الشركة واتجهت صوب محطة الاتوبيس وانا اجر اذيال الخيبة. تذكرت فجأة وانا على محطة الاتوبيس انني لم اصلي الصبح او الظهر او العصر فوجدتني لا استطيع ان اعود الى الجامع القريب لكي اصلي مافتني من فروض وكأن ارجلي اصبح معلقا فيها اثقال العذاب. فتحت شنطتي لكي اتمم على مابقى من اوراقي قبل حضور الاتوبيس فوجدت ورقة العزيمة وقد انطمست ملامحها ولا اعرف ما الذي طمسها.
ركبت الاتوبيس وقد وجدته نصف فارغ فاعانني هذا على ان اجد كرسي شاغر جلست عليه ونظرت من النافذة فهي كل ماتبقى لي لكي ارى الدنيا. اثناء جلوسي مر بجانبي رجل يحمل مذياع يبث اخر اخبار المباراة الفاصلة الدائرة رحاها الان. فتعلقت اذني بالمذياع وعيني ظلت كما هي على الدنيا. ولا اعلم لماذا كنت موقن بهزيمتنا مع انني كنت ادعو الله ان يقف بجانبنا لكي نحقق النصر المبين. قبل وصول الاتوبيس الى محطتي كانت نهاية المباراة . وكما ايقنت كانت النتيجة. حمدت الله كثيرا على السراء والضراء وقلت في نفسي خيرها في غيرها. احسست انني جوعان فتذكرت انني لم اتناول الساندوتش الذي كان معي ففتحت شنطتي واخرجت الساندوتش وهممت بتناوله ولكن عيني وقعت على ورقة الامل وقد وجدتها وقد انعكست حروفها واصبحت (لم لاا) استغربت كثيرا مما حدث ولااعرف كيف تم هذا هل هناك شيطان داخل الشنطة؟
وصل الاتوبيس الى محطتي فنزلت وقد خف حمل الشنطة كثيرا فاعانني هذا على المسير الى البيت. قبل وصولي الى البيت استوقفني صديق لي وقد توفى والده مؤخرا وكان يعلوه الحزن. ملابسه غير مهندمه وذقنه كانها غابات افريقيا سلمت عليه وخفت ان اقبله حتى لايلدغني ثعبان متربص داخل ادغال ذقنه. سألته لماذا يترك نفسه هكذا فانه سيموت كمدا لامحالة ان استمر حزينا. فقال لي ماذا يفعل وكل الدنيا سوداء في عينيه. فقلت له دواؤك عندي ففتحت شنطتي واخرجت ورقة السعادة وناولته اياها. نظر الي شذرا ولم ينبس ببنت شفه. تركته على حاله حتى لايصيبني ما اصابه فقد كنت وما زلت احمل بقايا النفس البشرية.
وصلت الى البيت اخيرا طرقت باب المنزل ففتحت لي زوجتي وهي تبكي فسألتها ماذا حدث فقالت لي انه جاء اليوم رجل من الحي ومعه قرار بهدم العمارة التي نسكن فيها فقلت لها كيف ذلك ان العمارة لم يفت على بنائها ثلاث سنوات وهي جديدة تماما. فقالت انه يقول ان بها شروخ وتصدعات في الادوار العليا نتيجة عيب فني ويجب ان يخلي السكان العمارة والا وقعت على رؤوسهم. تبسمت ضاحكا مما قالته وتركتها هكذا وخرجت الى شرفة البيت انظر الى الشمس وهي تداري كسفتها وحزنها علي. عندها لم يبق من الدنيا التي انظر اليها غير الشنطة التي مازلت احملها فرفعتها عاليا وقذفتها بما تبقى فيها من اوراقي. وقبل ان تصل الى ارض الشارع ارتفع صوت اذان المغرب عاليا يعلن ميلاد المساء وموت الاطمئنان.
تعليقات
إرسال تعليق