شذرات
كنا صديقين متلازمين نقطن بنفس الشارع. تكاد منازلنا تتلامس من فرط اقترابها وتدنو شرفاتنا لتسلم على بعضها. نتقاسم الحياة في حلوها ومرها والشمس في نورها وظلها. الليل يقترب حاملا قمره النص له والنصف الاخر لي. كدنا نتبادل اسامينا والحب والكره ايضا لبعضنا. ولكن كان هناك فرق بسيط بيننا الا وهو انني كنت من الذين يتاملون الدهر ونوائبه اما هو فكان ياخذه على علاته بدون تفكير او ترو حتى كاد التفكير يكبل خطواتي ويشل حركاتي وعقلي يدفعني الى احتساب لحظاتي وهفواتي. اما هو لاينظر امامه وانما الحياة هكذا وقد خلقنا وسوف نعود ايضا هكذا بدون النظر في الامور وعلل المأثور. فافترق بنا الحال الى وجهين . اما انا فقد غمضت علي العلل وزاد التفكير في كل شئ حتى اقتربت الى النظر في الفروض والواجبات التي جبلنا عليها والشك في كل امر لايكون معه الدليل. وهو زادت واجباته وفروضه وحتى غفواته وعيوبه. اصبح لايجيد التفكير ولاينظر في الامور وانما اخذها هكذا. فزاد ظاهر الفرقة بيننا واحتد النزاع الى ان وصل باتهامي بانني اتهاون عن الفروض والواجبات واتنازل عن كل امر بات. فاردت هاهنا ان اوضح له ما هو آت:
صديقي الا تعلم بان الانسان مخير في اموره وبان النار ستسع لبعض كما ان الجنة ستتسع لاخريين . ولا تحكم بظاهر عقلك فتهلك كما هلك الاولون ولاتلقي بالتهم جزافا وانت لاتعلم علم اليقين مافي الصدور .فقد يكون الايمان عند صاحب النظر اشد واعظم من الذي يتخذه بظاهره وهو لايعلم من امورها شيئا اللهم الا الذي مر عليه مرور الكرام؟ وكن على حذر من صاحب التفكير فانك لن تستطيع ان تفهمه وهولن يستطيع ان يوضح لك بسبب بعد المسافة التي بين العقلين. فصاحب الظمأ لايطلب الا قدر الماء وصاحب الزرع لايطلب الا النهر وشتان بين المطلبين. لذلك ارجو منك ان تتركني وحالي فان ما في كفيل بتنغيص علي امري ولا تحملني فوق طاقتي وكن على يقين بان الهداية من الله ولا احدا غيره فنم قرير العين هادئ البال وادعو لي بان يمنحني الرب الصبر والسلوان في هذه الحيوان واشكر ربك بانك من اصحاب العقول الهنية السعيدة المهدية فان الله لن يحاسب الناس الا على قدر عقولهم فحسابك لن يطول اكثر من هنيهة اما حسابي فلا يعلمه الا الله واتمنى ان يكون وجيزة.
تعليقات
إرسال تعليق