الاستسلام المميت
المشهد الاول:
وقفت بالقرب من النافذة ارقب المارة والسيارات وأمد بصري على مستوى الافق كي اشاهد النوافذ المفتوحة هنا وهناك وأتامل منظر السماء وهي تغير لونها لحظة نزولها من على الافق كي تعلن ميلاد الغروب . هذا المشهد يتكرر شبه يوميا معي وانا بالقرب من نافذة غرفتي ادخن سيجارتي مع كوب من الشاي الساخن ارشف رشفة واخذ نفسا. الى ان لفت نظري هذا اليوم وانا اجد رجلا في المنزل المقابل لمنزلنا يصفع ابنه الصغير قلما على وجهه والولد يصرخ من شدة الالم وبرغم بعد المسافة بيني وبينهم الا انني سمعت انين هذا الولد الصغير. كنت على علم بافراد هذه الاسرة وعلى دراية باسمائهم بحكم انهم يقطنون بنفس الحي الذي اقطن فيه. وكان اسم هذا الولد الصغير اسامة واسم الاب عادل مع ان هذا الاسم لايمت الى الحقيقة بصلة . ظللت واقفا ولم انتبه الى فراغ كوب الشاي بيدي او حتى انتهاء سيجارتي فاشعلت واحدة اخرى بدون وعي مني وامرت الخادمة لدينا بان تصنع لي فنجانا من القهوة فقد آلمني هذا المشهد واردت ان اعرف الى ماذا سينتهي. وجدت الاب وقد نزل الى الجامع لكي يصلي المغرب وظل اسامة داخل غرفته حزينا ووجهه متورما من شدة الصفعة. كانت امه تحنو عليه في هذه اللحظة بالرغم من انها احيانا تفعل معه نفس افعال الاب القاسي. ظلت الام تروح وتجئ حتى هدأ اسامة تماما وقد نسي مؤقتا المه وتناسى فعلته التي حوسب بسببها. الى هنا قررت ترك النافذة والنزول الى استكمال حياتي الباقية. هكذا تستمر حياتنا (قليلا من التجديد كثيرا من المشاهد المكررة). خرجت من المنزل بعد ان اخبرت والدتي بانني ساذهب الى احد الاصدقاء لتمضية بعض الوقت والجلوس في احد المقاهي جاءني الرد بالصمت. نزلت من البيت بخطي سريعة وخرجت الى الشارع . على ناصية الشارع وجدت عادل صاحب القلم الشهير وهو عائد من صلاة المغرب ولفت نظري انه يحمل زبيبة الصلاة على جبهته فضحكت لان هذه الزبيبة كان يجب ان تكون على مؤخرته وليس جبهته. اين كان هذا الايمان وانت تصفع ولدك المسكين؟ هكذا رددت بيني وبين نفسي.
المشهد الثاني:
في صبيحة احد الايام وانا اسير في الطريق متوجها الى عملي وجدت الاب عادل وهو ينزل من احد سيارات الاجرة فتوقفت برهة لاعرف الى اين يتجه هذا الرجل لانني اول مرة اشاهده هذه الناحية . وجدته يجادل سائق التاكسي ويحتد قليلا عليه .عند هذه اللحظة خرج سائق التاكسي من سيارته واندفع الى عادل وبدا بالسباب واللعن واحتد الجدال واشتعل العراك فوجه السائق لكمة الى عادل كادت توقعه على الارض ولكن عادل وقف ينظر في ذهول الى مايحدث وكانه لم يتوقع رد الفعل هذا من السائق ولم يمهله السائق فرصة التفكير فراح يلكمه ثانية وثالثة هنا لم اجد لعادل اي رد فعل غير الذهول اكثر فاكثر ولم يكن له اي رد فعل على الاطلاق غير استقبال اللكمات بكلتا خديه المتهدلتين. فكدت لا اصدق عيني من هذا الموقف وتذكرت كم كان قاسيا على ابنه وهو يصفعه بدون رحمة. وعجبت من اختلاف رد الفعل في الحالتين وسالت نفسي سؤالا كنت اتوق الى معرفته الى اي جنب انت تتجه الى العنف ام الضعف؟ ماهي سمتك بالضبط قاسي ام ضعيف؟ شجاع ام جبان؟ وهل تختلف ردود افعالنا باختلاف الموقف ام اننا نسير في اتجاه واحد دائما؟ هل نرتدي وجه واحد ام اوجه متعددة؟ لماذا هذا العنف مع من هم ضعفاء امامك ولماذا هذا الخزي والخوف مع من هم اقوياء امامك؟ كم اردت ان اساله وانا اجده واقف مذهول بعد ان انفضت المشاجرة وذهب كل الى حال سبيله.
المشهد الثالث:
عدت متاخرا اليوم من عملي نظرت الى ساعتي لحظة دخولي البيت فوجدتها العاشرة تماما. دخلت الى غرفتي بعد ان اكلت وابدلت ملابسي وطلبت كوب الشاي بالنعناع ثم وقفت امام نافذتي قليلا . برقت ببصري سريعا على جميع الانحاء وتوقفت عيني كالمعتاد على شباك منزل عادل . داخلني شعور غريب بانني سوف اشاهد اليوم مشهدا مؤثرا كمثل ماحدث منذ سنتين. سمعت طرقا على باب غرفتي ايذانا بوصول كوب الشاي المحترم. فذهبت لاحضاره واخذت سيجارة من العلبة الموضوعة على مكتبي ثم هممت بالعودة الى النافذة .وما ان اقتربت من النافذة حتى صعقت من هول المنظر امامي فوجدت ام اسامة تجري خلفه حاملة عصا خشبية تريد ضربه بها. رحماك ربي ماذا فعل هذا الولد لنيل هذا العقاب الابدي ؟الا ينعي هذا الولد حظه لوقوعه بين صفعات والده وضربات والدته ؟ ماهذه القسوة التي تعامل بها هذه العائلة اولادها ؟ هل ينفثون عن غضب يحملونه بين طيات جنباتهم في اولادهم ؟ هل هذه هي التربية القويمة التي يدعون؟ ظللت واجما للحظات وانا ارقب هذا المشهد القاتل والام تنزل بعصاها على الولد المسكين وهو يصرخ طالبا الرحمة. من اين ستأتي الرحمة اذا كنت لا تنالها من اقرب الناس اليك؟ مرت دقائق وانا اقف حزينا ينتابني شعور بانني يجب ان اذهب اليهم لكي امد يد العون لهذا الولد. وبعد ان انتهت الام من تخليص حقها وانتزاع المركز الاول في بطولة المصارعة وانزواء اسامة في ركن بعيد سمعتها تتوعده باخبار والده بما فعل لكي يكمل عليه مابدأته وكانها لم تكتفي بما فعلته به وانه يحتاج الى مزيد من الضرب والسخرية .عندها وجدت اسامة يطلب منها ان لاتخبره وهو يبكي بحرقة واذلال.
هكذا زرعوا فيه الخوف منهم وهم اقرب الناس اليه فهل تتوقعون منه ان لايخاف من الغرباء وان لايهاب المواقف العسيرة؟ وكيف لكم تطلبون منه ان يرد الصاع صاعين لكل من يهينه ويضربه؟ فاذا كان الامر كذلك فاكشفوا عن خدودكم واجسادكم لكي ينال منكم قبل ان ينال من الغريب!! الا يعلم هؤلاء الناس ان التربية بالفعل لا بالقول؟
المشهد الرابع:
كنت اشتري بعض الحاجيات من محل البقالة على ناصية الشارع عندما دخل شاب في العقد الثلاثين من العمر وجهه بدا مالوفا لدي فاستجمعت كل قواي الذهنية لاتذكر من هذا الشاب وعندما بدا الياس يدب في ذهني تذكرت فجاة من هو. انه اسامة وقد تغيرت ملامحه وتبدلت هيئته بالتاكيد. هكذا الايام تمر بدون ان نشعر بها ولانحس بالزمن الا عند المواقف المؤثرة. انتابني شعور بالسعادة وانا اراه هكذا شابا يافعا فكدت اسلم عليه ولكنني تذكرت بانني لم اعد اسكن في هذه المنطقة بعد ان انتقلت الى العيش في مكان اخر ولا اتي الى هنا الا لكي ازور اهلي. فهو بالتاكيد لايعرفني ولايعرف انني اعرفه جيدا. تباطئت قليلا داخل المحل لكي اراه واري ماذا يفعل فوجدته يشترى بعض الاشياء ثم اخرج النقود ودفع عشرين جنيها وانتظر الباقي من البائع ثم اعطاه البائع الباقي اربعة جنيهات منهم جنيه كان ممزقا. فاخرج اسامة الجنيه من باقي النقود واعطاه للبائع لكي يغيره له ولكن البائع رفض تغيره بحجة انه اخذه ايضا من مشتري قبله. فلم يعلق اسامه واخذ الجنيه الممزق وذهب . تذكرت حينها مافعله الوالدان بهذا الشاب البائس وكانت النتيجة ما اراه امامي الان. الرضوخ والسكون وعدم الثقة بالنفس . هذا هو ماتعلمه من الابوين عندها ناديت عليه واخذت منه الجنيه ورجعت للبائع وانا في قمة غضبي وامرت البائع بتبديل الجنيه له حتى استغرب البائع من تدخلي فيما لايعنيني واستغرب اسامة ايضا من تصرفي معه. ولكن البائع رضخ لطلبي عندما راى الشرر يتطاير من عيني. فاخذت الجنيه الجديد من البائع واعطيته لاسامة وهممت بالانصراف . عندها وجدت اسامة يشكرني على فعلتي معه ويسلم علي فقلت له ان الحياة مليئة بامثال هذا الرجل ويجب ان يواجه حياته بقوة ولا يجعل احد يتطاول عليه مهما كانت الظروف. فسلمت عليه وانصرفت.
المشهد الخامس:
عندي بعض الطقوس الغريبة عندما اشتري رواية جديدة وابدأ في قراءتها. اشغل التليفزيون واقفل صوته واجلس امامه على كرسي خشبي وامدد رجلي الى الامام وابدا القراءة بدون الالتفات الى التليفزيون ولكن اشاهده قليلا اثناء الاستراحة من القراءة .في احدى هذه المرات لفت نظري مشهد في التليفزيون في منتهى الغرابة. وجدت اسامة بشحمه ولحمه يصور مشهدا في مسلسل مذاع. لم اعرف انه امتهن مهنة التمثيل .تركت مابيدي ورفعت صوت التليفزيون لاعرف ماذا يقول . وجدت احدى الممثلين واقف شاهرا مسدسا في وجه اسامة الجالس على كرسي امامه . كان اسامة يتوسل ويتذلل ويطلب الرحمة من الممثل الواقف امامه لكي لايطلق عليه النار والممثل لايتوانى في نهره وشتمه ثم اطلق الممثل النار على راس اسامة فخر صريعا في الحال وانتهى المشهد . الذي لفت نظري في هذا المشهد ان اسامة لم يكن مقيدا بالكرسي الجالس عليه ولم يكن متعبا من ضرب اصابه او علة المت به . فكان رد الفعل منه في هذا المشهد غريب . صحيح ان السيناريو هو ماحدث امامي ولايجوز تغييره ولكن الغريب في هذا المشهد هو عدم المقاومة . ففي كل الاحوال اذا كان القاتل سيقتل ضحيته لا محالة فلا يجوز من الضحية ان تموت بدون مقاومة او حتى الكف عن طلب الرحمة. ان الضحية التي تطلب الرحمة من ظالم لايعرف الرحمة هي ضحية بائسة مخدوعة لايجوز لها ان تعيش باي حال من الاحوال لانها قبل ان تموت برصاصة ماتت من قبل ذلك بجبنها. ان شخصية اسامة الحقيقية لم تكن بعيدة اطلاقا عن الشخصية التي يمثلها لذلك برع في اتقان المشهد وبرع في كل مشاهد التذلل التي مثلها بعد ذلك .
المشهد السادس:
في صباح احد الايام وبينما انا اقرأ جريدة الصباح واقلب صفحاتها وجدت خبرا في صفحة الحوادث عن انتحار ممثل ولم يكن هذا الممثل الا اسامة الذي اخذ اجرأ قرار في حياته وهو التخلص منها نهائيا وهذا ما كنت اتوقعه منه لانه لم يعش ابدا حياته فقرر ان يعيشها بعد مماته وهكذا نجد ان الخوف والجبن المزروع فيه من الصغر لم يولد داخله الا عذاب الخوف تماما كعذاب الضمير. فاراد ان يستريح من هذا العذاب باي وسيلة فكان امامه احدى طريقين اما المقاومة والتغلب على خوفه والعيش وسط الناس بقلب جرئ واما الموت والهرب من كل هذا العذاب
وبحكم انه كان جبانا فاختار الطريق السهل!!!!!!!!
تمت
وقفت بالقرب من النافذة ارقب المارة والسيارات وأمد بصري على مستوى الافق كي اشاهد النوافذ المفتوحة هنا وهناك وأتامل منظر السماء وهي تغير لونها لحظة نزولها من على الافق كي تعلن ميلاد الغروب . هذا المشهد يتكرر شبه يوميا معي وانا بالقرب من نافذة غرفتي ادخن سيجارتي مع كوب من الشاي الساخن ارشف رشفة واخذ نفسا. الى ان لفت نظري هذا اليوم وانا اجد رجلا في المنزل المقابل لمنزلنا يصفع ابنه الصغير قلما على وجهه والولد يصرخ من شدة الالم وبرغم بعد المسافة بيني وبينهم الا انني سمعت انين هذا الولد الصغير. كنت على علم بافراد هذه الاسرة وعلى دراية باسمائهم بحكم انهم يقطنون بنفس الحي الذي اقطن فيه. وكان اسم هذا الولد الصغير اسامة واسم الاب عادل مع ان هذا الاسم لايمت الى الحقيقة بصلة . ظللت واقفا ولم انتبه الى فراغ كوب الشاي بيدي او حتى انتهاء سيجارتي فاشعلت واحدة اخرى بدون وعي مني وامرت الخادمة لدينا بان تصنع لي فنجانا من القهوة فقد آلمني هذا المشهد واردت ان اعرف الى ماذا سينتهي. وجدت الاب وقد نزل الى الجامع لكي يصلي المغرب وظل اسامة داخل غرفته حزينا ووجهه متورما من شدة الصفعة. كانت امه تحنو عليه في هذه اللحظة بالرغم من انها احيانا تفعل معه نفس افعال الاب القاسي. ظلت الام تروح وتجئ حتى هدأ اسامة تماما وقد نسي مؤقتا المه وتناسى فعلته التي حوسب بسببها. الى هنا قررت ترك النافذة والنزول الى استكمال حياتي الباقية. هكذا تستمر حياتنا (قليلا من التجديد كثيرا من المشاهد المكررة). خرجت من المنزل بعد ان اخبرت والدتي بانني ساذهب الى احد الاصدقاء لتمضية بعض الوقت والجلوس في احد المقاهي جاءني الرد بالصمت. نزلت من البيت بخطي سريعة وخرجت الى الشارع . على ناصية الشارع وجدت عادل صاحب القلم الشهير وهو عائد من صلاة المغرب ولفت نظري انه يحمل زبيبة الصلاة على جبهته فضحكت لان هذه الزبيبة كان يجب ان تكون على مؤخرته وليس جبهته. اين كان هذا الايمان وانت تصفع ولدك المسكين؟ هكذا رددت بيني وبين نفسي.
المشهد الثاني:
في صبيحة احد الايام وانا اسير في الطريق متوجها الى عملي وجدت الاب عادل وهو ينزل من احد سيارات الاجرة فتوقفت برهة لاعرف الى اين يتجه هذا الرجل لانني اول مرة اشاهده هذه الناحية . وجدته يجادل سائق التاكسي ويحتد قليلا عليه .عند هذه اللحظة خرج سائق التاكسي من سيارته واندفع الى عادل وبدا بالسباب واللعن واحتد الجدال واشتعل العراك فوجه السائق لكمة الى عادل كادت توقعه على الارض ولكن عادل وقف ينظر في ذهول الى مايحدث وكانه لم يتوقع رد الفعل هذا من السائق ولم يمهله السائق فرصة التفكير فراح يلكمه ثانية وثالثة هنا لم اجد لعادل اي رد فعل غير الذهول اكثر فاكثر ولم يكن له اي رد فعل على الاطلاق غير استقبال اللكمات بكلتا خديه المتهدلتين. فكدت لا اصدق عيني من هذا الموقف وتذكرت كم كان قاسيا على ابنه وهو يصفعه بدون رحمة. وعجبت من اختلاف رد الفعل في الحالتين وسالت نفسي سؤالا كنت اتوق الى معرفته الى اي جنب انت تتجه الى العنف ام الضعف؟ ماهي سمتك بالضبط قاسي ام ضعيف؟ شجاع ام جبان؟ وهل تختلف ردود افعالنا باختلاف الموقف ام اننا نسير في اتجاه واحد دائما؟ هل نرتدي وجه واحد ام اوجه متعددة؟ لماذا هذا العنف مع من هم ضعفاء امامك ولماذا هذا الخزي والخوف مع من هم اقوياء امامك؟ كم اردت ان اساله وانا اجده واقف مذهول بعد ان انفضت المشاجرة وذهب كل الى حال سبيله.
المشهد الثالث:
عدت متاخرا اليوم من عملي نظرت الى ساعتي لحظة دخولي البيت فوجدتها العاشرة تماما. دخلت الى غرفتي بعد ان اكلت وابدلت ملابسي وطلبت كوب الشاي بالنعناع ثم وقفت امام نافذتي قليلا . برقت ببصري سريعا على جميع الانحاء وتوقفت عيني كالمعتاد على شباك منزل عادل . داخلني شعور غريب بانني سوف اشاهد اليوم مشهدا مؤثرا كمثل ماحدث منذ سنتين. سمعت طرقا على باب غرفتي ايذانا بوصول كوب الشاي المحترم. فذهبت لاحضاره واخذت سيجارة من العلبة الموضوعة على مكتبي ثم هممت بالعودة الى النافذة .وما ان اقتربت من النافذة حتى صعقت من هول المنظر امامي فوجدت ام اسامة تجري خلفه حاملة عصا خشبية تريد ضربه بها. رحماك ربي ماذا فعل هذا الولد لنيل هذا العقاب الابدي ؟الا ينعي هذا الولد حظه لوقوعه بين صفعات والده وضربات والدته ؟ ماهذه القسوة التي تعامل بها هذه العائلة اولادها ؟ هل ينفثون عن غضب يحملونه بين طيات جنباتهم في اولادهم ؟ هل هذه هي التربية القويمة التي يدعون؟ ظللت واجما للحظات وانا ارقب هذا المشهد القاتل والام تنزل بعصاها على الولد المسكين وهو يصرخ طالبا الرحمة. من اين ستأتي الرحمة اذا كنت لا تنالها من اقرب الناس اليك؟ مرت دقائق وانا اقف حزينا ينتابني شعور بانني يجب ان اذهب اليهم لكي امد يد العون لهذا الولد. وبعد ان انتهت الام من تخليص حقها وانتزاع المركز الاول في بطولة المصارعة وانزواء اسامة في ركن بعيد سمعتها تتوعده باخبار والده بما فعل لكي يكمل عليه مابدأته وكانها لم تكتفي بما فعلته به وانه يحتاج الى مزيد من الضرب والسخرية .عندها وجدت اسامة يطلب منها ان لاتخبره وهو يبكي بحرقة واذلال.
هكذا زرعوا فيه الخوف منهم وهم اقرب الناس اليه فهل تتوقعون منه ان لايخاف من الغرباء وان لايهاب المواقف العسيرة؟ وكيف لكم تطلبون منه ان يرد الصاع صاعين لكل من يهينه ويضربه؟ فاذا كان الامر كذلك فاكشفوا عن خدودكم واجسادكم لكي ينال منكم قبل ان ينال من الغريب!! الا يعلم هؤلاء الناس ان التربية بالفعل لا بالقول؟
المشهد الرابع:
كنت اشتري بعض الحاجيات من محل البقالة على ناصية الشارع عندما دخل شاب في العقد الثلاثين من العمر وجهه بدا مالوفا لدي فاستجمعت كل قواي الذهنية لاتذكر من هذا الشاب وعندما بدا الياس يدب في ذهني تذكرت فجاة من هو. انه اسامة وقد تغيرت ملامحه وتبدلت هيئته بالتاكيد. هكذا الايام تمر بدون ان نشعر بها ولانحس بالزمن الا عند المواقف المؤثرة. انتابني شعور بالسعادة وانا اراه هكذا شابا يافعا فكدت اسلم عليه ولكنني تذكرت بانني لم اعد اسكن في هذه المنطقة بعد ان انتقلت الى العيش في مكان اخر ولا اتي الى هنا الا لكي ازور اهلي. فهو بالتاكيد لايعرفني ولايعرف انني اعرفه جيدا. تباطئت قليلا داخل المحل لكي اراه واري ماذا يفعل فوجدته يشترى بعض الاشياء ثم اخرج النقود ودفع عشرين جنيها وانتظر الباقي من البائع ثم اعطاه البائع الباقي اربعة جنيهات منهم جنيه كان ممزقا. فاخرج اسامة الجنيه من باقي النقود واعطاه للبائع لكي يغيره له ولكن البائع رفض تغيره بحجة انه اخذه ايضا من مشتري قبله. فلم يعلق اسامه واخذ الجنيه الممزق وذهب . تذكرت حينها مافعله الوالدان بهذا الشاب البائس وكانت النتيجة ما اراه امامي الان. الرضوخ والسكون وعدم الثقة بالنفس . هذا هو ماتعلمه من الابوين عندها ناديت عليه واخذت منه الجنيه ورجعت للبائع وانا في قمة غضبي وامرت البائع بتبديل الجنيه له حتى استغرب البائع من تدخلي فيما لايعنيني واستغرب اسامة ايضا من تصرفي معه. ولكن البائع رضخ لطلبي عندما راى الشرر يتطاير من عيني. فاخذت الجنيه الجديد من البائع واعطيته لاسامة وهممت بالانصراف . عندها وجدت اسامة يشكرني على فعلتي معه ويسلم علي فقلت له ان الحياة مليئة بامثال هذا الرجل ويجب ان يواجه حياته بقوة ولا يجعل احد يتطاول عليه مهما كانت الظروف. فسلمت عليه وانصرفت.
المشهد الخامس:
عندي بعض الطقوس الغريبة عندما اشتري رواية جديدة وابدأ في قراءتها. اشغل التليفزيون واقفل صوته واجلس امامه على كرسي خشبي وامدد رجلي الى الامام وابدا القراءة بدون الالتفات الى التليفزيون ولكن اشاهده قليلا اثناء الاستراحة من القراءة .في احدى هذه المرات لفت نظري مشهد في التليفزيون في منتهى الغرابة. وجدت اسامة بشحمه ولحمه يصور مشهدا في مسلسل مذاع. لم اعرف انه امتهن مهنة التمثيل .تركت مابيدي ورفعت صوت التليفزيون لاعرف ماذا يقول . وجدت احدى الممثلين واقف شاهرا مسدسا في وجه اسامة الجالس على كرسي امامه . كان اسامة يتوسل ويتذلل ويطلب الرحمة من الممثل الواقف امامه لكي لايطلق عليه النار والممثل لايتوانى في نهره وشتمه ثم اطلق الممثل النار على راس اسامة فخر صريعا في الحال وانتهى المشهد . الذي لفت نظري في هذا المشهد ان اسامة لم يكن مقيدا بالكرسي الجالس عليه ولم يكن متعبا من ضرب اصابه او علة المت به . فكان رد الفعل منه في هذا المشهد غريب . صحيح ان السيناريو هو ماحدث امامي ولايجوز تغييره ولكن الغريب في هذا المشهد هو عدم المقاومة . ففي كل الاحوال اذا كان القاتل سيقتل ضحيته لا محالة فلا يجوز من الضحية ان تموت بدون مقاومة او حتى الكف عن طلب الرحمة. ان الضحية التي تطلب الرحمة من ظالم لايعرف الرحمة هي ضحية بائسة مخدوعة لايجوز لها ان تعيش باي حال من الاحوال لانها قبل ان تموت برصاصة ماتت من قبل ذلك بجبنها. ان شخصية اسامة الحقيقية لم تكن بعيدة اطلاقا عن الشخصية التي يمثلها لذلك برع في اتقان المشهد وبرع في كل مشاهد التذلل التي مثلها بعد ذلك .
المشهد السادس:
في صباح احد الايام وبينما انا اقرأ جريدة الصباح واقلب صفحاتها وجدت خبرا في صفحة الحوادث عن انتحار ممثل ولم يكن هذا الممثل الا اسامة الذي اخذ اجرأ قرار في حياته وهو التخلص منها نهائيا وهذا ما كنت اتوقعه منه لانه لم يعش ابدا حياته فقرر ان يعيشها بعد مماته وهكذا نجد ان الخوف والجبن المزروع فيه من الصغر لم يولد داخله الا عذاب الخوف تماما كعذاب الضمير. فاراد ان يستريح من هذا العذاب باي وسيلة فكان امامه احدى طريقين اما المقاومة والتغلب على خوفه والعيش وسط الناس بقلب جرئ واما الموت والهرب من كل هذا العذاب
وبحكم انه كان جبانا فاختار الطريق السهل!!!!!!!!
تمت
تعليقات
إرسال تعليق