الشيطان يسجد اخيرا
من زاوية في
ركن عنبر مساجين ، جلس وحيد فوق سريره يتأمل اصطفاف المساجين وهم يهمون باداء صلاة
العشاء جماعة. لم يكن ينوي ان يصلي معهم برغم ندائهم المتكرر بان الصلاة جامعة .
فلم يكن يشغل باله بالصلاة بقدر اهتمامه بفحص من يصلون وفهم ماذا يفعلون. وظل
يتردد بداخله دوما سؤالا لم يجد من يجيب عليه ، هل يشاهد امامه مجموعة من التائبين
ام مجموعة من الافاقين ؟
ولكي يهدأ من
ثورة الاسئلة داخل رأسه ، ظل فترة غير قليلة يبحث عن التهم التي اتت بهؤلاء
المجرمين الى هذا المكان الموحش. وبدأ اول ما بدأ بدراسة حالة الامام الذي كان
يعلو صوته بالايات محاولا ايصال الايمان الى قلوب من لا يصلون معهم . فهذا الامام
جاء متهما بهتك عرض طفلتين لم يبلغا العاشرة . ومع ذلك تراه يدعو الناس داخل
العنبر الى الصلاة والايمان بالاسلام الذي جاء هداية للبشر اجمعين . يوما تجده يحض
احدهم بالتشبث بالنوافل وتارة تجده يحث اخر على التمسك بحديث الرسول الذي يدعو
لمكارم الاخلاق . هل هذه حالة فصام ؟ ام انها بارانويا السجون ؟
في اول صفوف
المصلين تجد من هو متهم بالتحرش بمسنة جاوزت السبعين ربيعا وبجانبه يقف اخر متهم
بهتك عرض طفل لم يبلغ الحلم وبينهما تجد من هو محكوم في قضية قتل كاد ان يلتف حول
رقبته حبل المشنقة لولا رأفة القاضي . وفي الخلف يقف من هو متهم باغتصاب اخته من
لحمه ودمه ولا يتورع عن قبيح الافعال . وهو وان كانت قضيته غريبة حقا الا انها اخف
وطأة على التصديق من قضية زميله والذي قام بهتك عرض أمه وهي نائمة . فقد كان يضع
لها حبوب المخدر لكي تنام ويفعل فعلته . والقليل فقط مما تبقى هم من معتادي السرقة
والنصب والاحتيال ، فجرائمهم لا تعدو عن كونها جرائم نشاهدها بين الحين والاخر وهي
التي نعلمها جميعا.
كل هذه
الحالة تتفق على شئ واحد ، وهي انهم جميعا ينكرون فعلتهم ويجدون دوما مخرجا كلاميا
لكل افعالهم . فالسارق لا يعترف بسرقته وانما يجد لها تعبيرا اخر غير السرقة .
والمغتصب يلقي جريمته على المجني عليها بانها كانت ترتدي زيا دعاه لاغتصابها .
وهاتك عرض الاطفال يدعي المرض في انه لا يستطيع التحكم بنفسه امام الاطفال البضة .
وهكذا تجد انهم جميعا في حالة براءة مع انفسهم وتجد انهم يعيشون في حالة سعادة
وانتشاء بما يمر بهم في اليوم والليلة . ويساورهم شعور بالرضا ، وأن ما هم فيه عبارة عن محنة ستمر حتما وبانهم
سيخرجون يوما الى الحياة يمارسون فيها حياتهم الطبيعية.
السؤال الذي
ظل وسيظل يؤرق سائله ، هل تقبل صلاة هذه النوعية من البشر ؟ هل عندما يرى الانسان
عقابه تاتيه التوبة على غفلة ؟ هل لو علم هؤلاء عقابهم قبل ان يفعلوا فعلتهم
لفعلوها ؟
هل لو ادرك
ابليس عقابه قبل ان يمتنع عن السجود لادم لسجد ام لاستمر في الامتناع ؟
الحقيقة
المؤكدة هي ان الشيطان كان ليسجد حتى ولو ظاهريا كما يفعل هؤلاء الشياطين لان
العقاب جسيما ولسوف يتعذب كما يبدو على هؤلاء المساجين حتى لو ادعوا غير ذلك .
فالشيطان
سيسجد حتما لو شاهد عقابه قبل ان يرتكب جريمته الا ان الحقيقة المطلقة هي ان السبب
يجب ان يسبق المسبب وليس العكس ..!!
فالشيطان
حتما سيسجد اخيرا ..!!
تعليقات
إرسال تعليق