حوار مع زميلي المنافق
دار بيننا الحديث وأنا أقود سيارتي على نحو مفاجئ وقد إتخذ منحى غريب من العنف والشدة. فلم أكن أتوقع أن هناك عقولا مغلقة تحوي أفكارا ومعتقدات لايمكن زحزحتها أو حتى الاقتراب منها .وإنني على ما أعتقد قد ناقشت بعضا من هذه الافكار والمعتقدات في تدوينة سابقة ولعلها تدوينة وثنية التفكير. ولكنني اكتشفت اليوم أن المشكلة لاتكمن في المعتقد بحد ذاته بقدر ما تكمن في الشخص نفسه الذي يحوي هذا المعتقد. فان عقولا قد تحجرت ولايمكن أن ينالها بعضا من الرطوبة والليونة بسبب عدم تبصرها وجفاف منابع الفكر لديها. إننا نمر أحيانا ببعض الافكار التي تترسب بداخلنا ونكاد نسلم بها تسليما أعمي بدون إعمال العقل ودون الوقوف على أسبابها ولعل الجانب الديني من أهم التسليمات التي نتخذها بدون الاقتراب منها أو حتى التفكير في أسبابها . وذلك بسبب خوفنا المطلق من ان نقتنع بفكرة أو رأي قد يخالف ما آلفناه. ولا أقول بأنني سأحرم حلالا او أحلل حراما ولكني أحاول الاقتراب من هذه الصفة الغريبة في البشر الذين لا يكلون يدافعون عن أفكارهم التي إتخذوها أصناما لايمكن تحطيمها. إن الانسان عند تعمقه في الحياة وإستجلائه لمكنونات الكون والوجود يكتشف ان الحياة لايمكن ان تسير على نمط واحد فكيف بالانسان يتخذ من السكون سبيلا؟ فكلما حاول الانسان استقراء مايحدث امامه واستفهامه يكاد يصل الى النور الذي وهبه الله لنا وهو العلم الابدي. ما اظلم الانسان عندما يغلق عقله ويستجهله. الحوار الذي دار لم اقصد به ان انال شرف النصر وافتعالي العلم لصديقي لكي يسلم بما اقول ولكنه كان محاولة مني لكي اعلم الى اي مدى يمكن ان يتنازل الانسان عن افكاره حتى وان كانت صائبة . الحديث لم يكن ابدا من هو العالم ومن هو الجاهل بقدر ماكان كيف لنا ان نتقبل الطرف الاخر وكيف لنا ان نسمع بعضنا الى النهاية. لم يكن صديقي يعلم باني اختبر قوة تحمله على سماعي وعلى تقبل ما اقول حتى وان كان خطا. لانني تعمدت ان اخطئ في الحديث لارى ماذا سيفعل ويا ليتني لم افعل. عندئذ وجدته وقد نصب مدافعه تجاهي لكي يثبت لي انني خطا وانني يجب علي القراءة كثيرا وان اتدارك ما انا غافل عنه . مع العلم بانني اعلم منه واعلم ذلك علم اليقين ولكنه قتال القول الذي يجب ان يخرج منه غالب ومغلوب. ان الكارثة التي وجدتها بيننا ان الحوار لدينا يجب ان ينال احد الحسنيين اما النصر او الموت في سبيل النصر. فنخرج كلانا منه لا اصدقاء ولكن غرباء فيتحول الحوار الى سيف مسلط على رقاب الجميع . من ملك القول فقد ملك سيفا بتارا ومن امسك لسانه فهو من الناجين ومن حاول ان يجادل ولم يكن معه سلاح اللسان فعليه وزره ولا يلومن الا نفسه. هكذا اصبح الحوار وهكذا وجدت نفسي انأى عن اي حديث يمكن ان يدار او يفتح وهكذا وجدت الشقة تزداد بيننا وتتسع ولا سبيل الى عودتها. والغريب في الامر من اناسا قد تجدهم بيننا وقد سولت لهم انفسهم افتعال الازمات وايقاظ نار الفتنة بين المتحادثين ولسان حاله يقول هكذا وضعت لبنة الخلاف وهكذا يكون الكلام. ما أجهل الانسان واغفله .
ليت شعري, الخلاف اصبح بيننا كبيرا ولم نعد نريد سماع بعضنا او حتى نتعلم شيئا جديدا فالكل مدافع عن رايه والكل عالم بما يقول ولو ادرك الجميع على اي درجة نحن من سلم الانحطاط والتاخر مابرحوا يفعلون ذلك ولكنه عمي العقل وعمي الاذن وعمي القلوب.
ومن أكثر الاحاديث شيوعا بين الناس هي الاحاديث الدينية والتي ما إنفكت تغلق حتى يفتح واحدا أخر في جانب من الجوانب الدينية أيضا. الغريب في هذه الاحاديث هو كثرة اللغط على المحرمات والمحللات وكأننا سنقول فيها جديدا او اننا لم ندرك منها بعدا رابعا. مع انها ثابتة على مر العصور والازمان لان الرسل قد انتهوا ولم يعد بيننا انبياء جدد لكي يجددوا الحلال والحرام . فلكل دين من الاديان له محرماته ومحللاته والكل يعلمه جيدا بما كان منها من وضوح الامر وجلاء المغزى. ولكن كيف للانسان ان يسكت وهو الذي اتخذ من الجدال اله!! اما اكثر مايكدر صفوي هو اننا نفعل محرمات ولكننا لانراها رأي العين. فإنك ترى بعض الناس من يقول بان سماع الغناء حرام ومشاهدة الافلام حرام وفوائد البنوك حرام وياتي باية من هنا وحديث من هناك ويسرد لك مايحفظه عن ظهر قلب وتحفظه انت ايضا وتعلم مايقوله مسبقا ويغفل تماما بان الحقد والغل الذي يمارسه ايضا بدون وعي حرام والحسد الذي بداخله حرام والبغضاء تجاه الناس حرام واستغلال مكان العمل حرام وتجهمه في وجه الناس حرام وسوء الطوية والخبث حرام . بل اني اعتقد واكاد اجزم بان الحسد والحقد وسوء الطوية اشد حراما وايلاما من تينك المحرمات التي يدعيها لان المحرمات التي يدعيها لاتضر الا الشخص الذي يفعلها ولكن محرمات النفس ضررها على الغير وهذا اشد اثما وعذابا. الم يعي هذا الانسان الذي يقول هذا بان الاضرار بالغير هو اشد اثما وتاثيما؟ الم يعي المنافقون بعد بانهم بالدرك الاسفل من النار؟ فاذا كان مآلنا النار جميعا فعلى الاقل ساكون اعلى منه مرتبة في النار وسيكون هو تحت قدمي
فاذا كان حكمك على الناس بانهم مذنبون فحكمي عليك هو النفاق.
رحماك ربي من هذا العذاب.
تعليقات
إرسال تعليق