الرغبة بين الشين والميم

بين الشين والميم عشرة أحرف في الابجدية العربية ومثلهم عشرة مسافات في حياتهم اليومية. إنهم طرفي نقيض برغم وحدة الهدف والغاية. فتجد الشين منفتحة صادقة في رغبتها لا تخبئ ما يعتريها من مكنونات النفس وخبايا العقل الباطن وتبوح بكل خلجاتها بدون مواربة او خجل او حتى خشية من افتضاح امرها. وتسعد بإخراج شكواها وتبحث عن من يحل لها هواها. تقدم على الحياة بقلب سليم وتنام قريرة العين كطفل فطيم. يصحو هذا الطفل صباحا ليمرح في الاجواء ويضفي بسمة الامل على باقي الحروف سواء. الشين صادقة مع نفسها لا تعبأ كثيرا بما يقال ولا تعطي للايام مقال. تعرف معنى الحياة والوجود وان الحروف لن تعيش الا نفحة بيد المعبود. فباتت الضحكة صفتها وفتحت فاها فبانت اسنانها. فأحببتها وأحبتني وأقتربت منها وضمتني وذبت في أنفاسها حتى سلبتني أعز ما أملك وأستغلقتني.

أما الميم فحزينة لا تستطيع ان تقول ما تطمح اليه ولا يعنيها ما تعانيه. فتجدها مختبئة بين حرفين، تداري نظرتها حتى لا تراها باقي الحروف. تغدو كئيبة وبالصراخ والعويل تعود نحيبة. لا تستطيع ان تطلب ما يداويها وتخاف من رب الحروف الا يجازيها. فترتدي الضمة والكسرة وتضع مساحيق التشكيل لتخفي ما بدى من اعينها للناظرين وتبكي بداخلها على ما أهدرت من غدر السنين. إنها ليست كذلك ولو إستطاع حرف من الحروف جرها ، لخلعت عنها كل ما يقيدها. هي تدعي الايمان وتخفي من ورائها شهوة النسيان.

حاولت يوما إستقصاء أمرها وعبدت لها الطريق لتبدي عزها. ترددت قليلا وتسآءلت وظلت تغدو وتروح وتناور حتى لا تقع بين الحروف. فتحت لها الباب لتدخل منه ، وبعد ان جاءت تركتها وحيدة ، لتعود بعدها لا تريد ان تسلم علي او تمد يدها الي. فهالني موقفها وأدركت ان ايمانها ظاهري تهشم على صخرة إلهها الانثوي. ولم استمر في البحث والتقصي حتى لا أثبت عمليا ما أثبته نظريا. وحتى لا تكون تجربة حزينة تبقى في ذاكرتي الدفينة.

وبعد ان كانت هادئة ، عادت صارخة لا تحتمل قسوة الحياة أو مر الايام ولم تعد كما كانت فاصابتها العلل والاعراض وزادت حروف المر عندها فأضافت اليها الضاد!!!