بلاد العرب أوطاني
اغرب كلمة
قرأتها لاحد المصريين تعليقا على مبادرة الشيخ خليفة رئيس دولة الامارات والتي
اصدر فيها قراره بالافراج عن المصريين الموجودين في سجون الامارات ، هي كلمة (
والله راجل ). هذه الكلمة نزلت فوق رأسي كالمطرقة وجعلتني اترنح طيلة يوما بليلة
لا ادري كيف اتحكم في نفسي. واحدثت شرخا في عقلي وتفكيري مما حدا بي ان اعرض نفسي
على دكتور صحة نفسية لكي يعالجني من توهمات الحاضر وضلال المستقبل. وظلت الكلمة
تراودني في صحوي ومنامي بالرغم من كمية المهدئات التي بلعتها ودفعتني الى تمزيق
اكثر من مائة ورقة حاولت فيها تحليل هذه الكلمة ومعرفة ماهية الشخصية التي
اطلقتها. ومع كوني كنت اعرف هذه الشخصية مسبقا واعرف من اين خرجت اقدامها واين
استقرت ، هالني موقفها المتغير بين الامس واليوم وادهشني انخراطها في جوقة المزمار
البلدي الذي يطربنا كلما تعطف علينا احدهم . بيد اننا لا نعتب عليه في تقديم واجب
الشكر كما يريد ، ولكننا نلومه على عدم تفريقه بين الشكر والاطراء سيما وان الفرق بينهما كبير. وليس شرطا ولا يجب
ان يكون ، ان يجتمع الشكر والاطراء ويصبحان وحدة واحدة في لغتنا. لان اجتماعهما
سوف يؤديان الى نسق غريب في اللغة والتعامل ويخرج بسببهما انواع شاذة من البشر لا
تستطيع التفريق بين المدح والرياء. فالانسان الذي يقدم لك خدمة مثلا لا ينتظر منك
الا ان تشكره على اكثر تقدير، ولكن ان تأبى انت ان تشكره فقط وانما تضيف من عندك
كلمات الغزل والمديح فهذا هو عجب العجاب. هذا المديح الذي تلقيه في وجه كل من يقدم
لك خدمة يخلق في المقابل نوعية من البشر تظن انها الاله الاعظم. ويظهر في الافق مشهد الحاوي
الذي يمسك قروده محاولا ابهاج الناس لكي يقذفوه بالدنانير. ويتحول المجتمع الى
مجموعة من القرود التي تقفز هنا وهناك لتلتقط الدنانير المتساقطة عليهم. نحن نتقن
فن التمثيل يا سادة واياكم ان تستمروا في هذا الفن لان الغابة لم يعد بها مكان
لهذا الهرج.
وعودة الى
كلمة ( والله راجل ) التي كانت سببا مباشرا لهذه المقالة وسببا في تنغيص يومي.
سأحللها من منظور منطقي ، اولا لا يصح قولها ان اردنا المدح لسبب بسيط وهو ان
القرار صادر من شخص رئيس الدولة ولا يوجد اي عائق يمنعه من اتخاذ مثل هذا القرار
ولا توجد سلطة اعلى منه يمكن ان تعيقه في سبيل تحقيقه. وبالتالي الكلمة ليست في
محلها بتاتا. ثانيا ، رئيس الدولة ليس لديه ما يخشاه وتصرفه هذا قد يكون بدافع سياسي
بحتة له ابعاد لا نراها نحن الشعوب المقهورة وبالتالي لا يجب ابدا ان نتسرع في
اطلاق ترهاتنا المعهودة بدون تحليل وتدقيق.
واذا التمسنا
العذر لصاحب الكلمة واتخذنا سبيل حسن النية بانه لم يكن دقيقا في وصفه ولم يكن يقصد
المعنى الذي وصل الينا لكن لا يجب ان نغفل في الوقت ذاته انه مقيما على ارض هذه
الدولة . عندئذ سندرك ان نيته الظاهرة تختلف بل تخالف نيته الباطنة. ولكي لا نكون
قساة في حكمنا عليه سنعطيه فسحة من العذر ايضا يتحرك فيها لمعرفتنا بما ينال النفس
البشرية من سوء اذا لم تساير البيئة الموجودة فيها. فكل من حوله قطعا يمدحون
ويمجدون صاحب المعالي والرفعة ،عظيم الشأن، طويل العمر. لذلك وجب عليه ان يمتطي
الدابة التي يركبها الجميع ويسوقونها الى اسواق المدح والتعظيم وهو ان لم يفعل ذلك
ناله من سوء العاقبة ما لم يحمد عقباه. فآثر صديقنا الى اختلاق كلمات جاءت بهذا
الشكل البائس لعدم خبرته بلوذعي الكلم والمعي الحجة. ويجب علينا ان نشكره قليلا
لانه اضحكنا قبل ان يبكينا لان الكلمة تحمل من الفكاهة قدرا لا بأس به جعلتنا ننظر
اليه كأنه طفلا يكاد يتحرك في مراحل حبوه الاولى. ونحن من هذا المنطلق نمد له يد
العون ونشجعه حتى يتخطى هذه المرحلة ويكبر ويسير على قدميه ويصبح مثل اقرانه الذين
سبقوه للاوطان. ونطلب منه ايضا ان يحاول تحسين طرق اطراءه ويتعلم ممن لديه الخبرة
في المدح حتى يرتقي في سلم المجد الذي يرفع العرب الى مشارف الاوهام.
فسر في طريقك
مقبل غير مدبر يا ابن عرب
تعليقات
إرسال تعليق