المثقفين الجهلاء..!!

يبدو لاول وهلة اني اخطأت في نص عنوان المقال ، لكن الحقيقة انني لم اخطئ وهو مقصود . ومكمن الخطأ الظاهري كما هو واضح انه لا يمكن ان يوجد مثقف جاهل ..!! لان الكلمتين متناقضتين جملة وتفصيلا ، فكيف يمكن وصف المثقف بالجاهل؟ الا اذا كان الذي اطلقها هو الجاهل بعينه لانه لا يدري كيف يصيغ جملته التي تعبر عما يريده. والحقيقة انني رأيت احدهم يكتب هذه الكلمة فعلا وليس افتاءا مني. وتقريبا كان يريد ان يقول ان النخبة او ما يدعوا او يطلقوا على انفسهم النخبة ما هم الا مجموعة من الجهلاء. ونحن نرى كثيرا من هذه الاتهامات هذه الايام . وكلنا جميعا الا من رحم ربي نطلقها احيانا على كل من يخالفنا الراي . وكأن اراءنا رسالة سماوية..!!

 وعندما رأيت هذه الجملة اول مرة ضحكت كثيرا على من اطلقها ولكنني لم اكن اصدق انني سأمر يوما بمشهد يذكرني بهذه الكلمة الحمقاء .

في ندوة لاحد كبار الكتاب والمشهور عنه توغله في دراسة المخطوطات القديمة ، هذا بالاضافة لغرامه الذي يصل لحد العشق للفكر الصوفي ، اندفع الكاتب كعادته في شرح بعض وقائع التاريخ القديم وسط انصات الحضور احيانا وتصفيقهم اخرى. وبعد ان طالت الندوة الى اكثر من ساعة جاءت لحظة اسئلة الحضور والذين اكثرهم من الشباب المأخوذين بحكايات الف ليلة وليلة التي يرويها الكاتب.. وطبعا كعادة مجمل الاسئلة التي تشاهدها في اي بقعة في الوطن العربي ، لا تخرج من نوعية ( كيف الحال ) ، ( امي بتسلم عليك ) ، ( واخيرا فقرة الشعر التي يلقيها احد المهووسين). ولا انكر انني طرحت سؤال كنت اتوق لمعرفة وجهة نظر الكاتب فيه ، ولكني لم اجد اجابة او حتى لفت نظره ما اعنيه من السؤال . وطبعا كأي انسان لم يجد اهتماما كافيا لسؤاله ، فما كان علي الا ان اكتب هذا المقال للرد عليه عله يتعظ..

يا دكتور يا كبير ، صدقني انت مأخوذ بشلة الشباب حولك ولم تلتفت لملاحظة احدهم ان كل من حولك من الشباب ( اتهام بالتصابي ) .. ولن يشفع لك علمك عندما تواجه خصما او ندا قد يدحض كل ما تدعيه. وانك بحكم ملكك لقدر من العلم تتعالى على الخلق وتتصور انك ملكت الحقيقة المطلقة. وللاسف الكثير ممن حولك لن تجد فيهم العلم الكافي لمنافحتك بسبب صغر سنهم وقلة عقلهم. فهم ليسوا تكأة تستند عليها لتقول للناس هاكم مريديني وتلاميذي. وان كنت تعتقد بان جزء كبير من التاريخ مزور وبالتالي فلا داعي للرد عن اسئلة تناقش جزء من هذا التاريخ ، فدعني اقول لك انك واهم ، لان تاريخ الاديان الذي تطيل الشرح فيه ، جانب كبير منه مخفي عنك تماما بالرغم من ادعاءك العلم.. وليس ادل على كلامي الا السؤال الذي طرحته عليك فكشفت نفسك بدون ان تدري وجعلت الصدمة تربكني حتى انني ادركت معنى كلمة هذا المقال..

انت مفتون بنفسك يا دكتور ، ولكن انا اعذرك . لان الحياة المحيطة بك تجعلك تصدق نفسك انك عظيم. المريدين ، والمهووسين ، والصحف والقنوات والسيارة والسكنى على البحر ، والتصييف على الشواطئ ، كل هذا مؤشر على انك عظيم وان ليس في الامكان ابدع مما كان .

ولكن الحقيقة .. انت تبيع الهراء الجيد . الهراء الذي له ثمن . الهراء الذي نراه في الصحف والقنوات وفي كل مشاهد الحياة العربية العتيقة. الهراء الذي نتنفسه كل صباح بداية من وجه بواب العمارة وحتى جارك واقاربك وزملاءك في العمل وحتى نفسك. الهراء الذي دفعك ان تظن نفسك بن عربي وبن البيطار اللذان تتحدث عنهما كثيرا. ماذا تركت لنا بعد مماتك يا دكتور الا كثيرا من الهراء؟؟ ماذا ستترك لنا اعمالا مثل رسالة الغفران او مقدمة بن خلدون او تاريخ القران لنولدكه او فلسفة بن رشد ؟ ماذا ستترك لنا ليخلد به اسمك؟

انك لست اكثر من مدون وملخص تاريخ السابقين ( مع شوية اضافات ) .. ليس لك منهج وكيان وصرح عملاق او فلسفة جديدة تنافح بها الاقدمين والمتأخرين. لن تدرس كتبك في المعاهد والجامعات . انت تبيع الوهم يا دكتور. انت تبيع المزركش والمنمق من الكلم .. انت تبيع الهراء الجيد..

 وللاسف الذي ساعدك على ذلك ان ما عدا احد يهتم. فاصبحت كل كلمة تخرج منك بمثابة قران لانك تعتقد انك توصلت للحقيقة المطلقة كما اشرت انفا. واصبح تلخيص الكتب هو الشغل الشاغل لجيل كامل من دكاترة هذه الايام لعلمهم ان لا احد يستطيع ان يقرا الفتوحات المكية بمفرده او يفهم طواسين الحلاج بعلته. وعندما يظهر احد يناقش تجد الاذان الصماء موجهة اليه والكل متهافت عليه.

ما اجمل الهراء الجيد الذي يحقق المستحيل في ازمان لم تعد تعرف الفرق بين العلة والعليل..