عن العشق والهوى
وقفت تنظر الى مرآتها تتأمل مسار حياة إرتسمت ملامحها عليها. لازالت تعابير وجهها تحمل إطلالة الطفل الباسم. تخرج من نظرات عينيها حزنا وقلقا تتشكل خيوطهما على جفونها. يدق قلبها بعنف احيانا ،صارخا مستصرخا عقلها الذي يحاول جاهدا كبح جماح رغباتها المكبوتة ، ودافعا روحها لحب ما تبقى من الحياة. انها كزهرة تريد من يعتني بها حتى تظل متفتحة تنشر عبير اريجها في الانحاء. تحتاج يدا حانية تلتف حولها لتشعرها بانوثتها الطاغية وبأنها مازالت أنثى تريد ان تسمع كلمات العشق والهوى.
زوجها لم
يعطيها ما ارادت دائما. فهي متغيرة وليست كالشمس لا تلبث تخرج حتى تغيب. هي مثل
البحر لا يمكن التنبؤ بهياجه وهدوئه. لم يعد زوجها يفهمها لان مفتاحها قد تغير على
مر السنين ، حتى يده لم تعد تلك اليد التي تسير على جسدها لتطفئ جزوة شهوتها او
جنون نزواتها.
ارادت ان
تسمع كلمات مختلفة وحياة اخرى. ارادت ان تغير مشاهدها بعد ان سأمت تكرار نفس
المشاهد والاحزان والافراح. ارادت ان تسمع كلمات الحب بنغمة يختلف ترددها على
اذانها. انها انسان يريد ان يعيش طبيعيا.
زوجها
واطفالها وعملها ودنيتها لم تعد مشوقة كما كانت. هي أنثى ارادت ان تتمرد على رتابة
الحياة والخروج عن النص قليلا، فهل هذا كثير عليها؟ ام ان الثبات هو القاعدة
والتغيير هو الاستثناء؟
في احدى
الليالي اقتحم حياتها صوت مختلف وتسور محرابها غير عابئ بالاخطار ، فأنصتت قليلا
اليه من باب الفضول. ولكنها لم تعي لحظتها ان الفضول هو اول طريق التغيير. ومن باب
الفضول تركت الباب غير موصود حتى ترى ماذا سيقدم اليها هذا الدخيل.ومهما قل ما قدم
لها فانه كان كافيا لكي يدخل قلبها وعقلها بأقل كلمات الغزل والحب. خطيئة الزوج
انه لم يدرك ان كلمات الحب التي كان يتفوه بها لم يعد لها وقع الصدى على اذنيها.
ونسي ان المراة هي المراة لطالما ارادت من يشعرها بكينونتها وجاذبيتها بطرق مختلفة
وليست متكررة. ونسي ايضا انها تريد الحب ولو ردت الى ارذل العمر. وكلما حاولت ان
تتحكم في مشاعرها من هذا الدخيل ، انهارت بعد ان ارتوت من دفقات العشق والهيام.
انه لم يعد دخيل ولكنه اصبح ترياق لداء لم يزل البشر يبحثون له عن دواء.
هي تقول انها
واقعية ، ولكنها في الحقيقة رومانسية ناطحت بها رومانسيات شكسبير ونفسيات
ديستوفيسكي. تتمالك نفسها احيانا لكي تسير الحياة ولكنها تعود لكي ترتوي المزيد من
نهر الحب الذي لا ينقطع عنها. ومع كل هذا الحب لا ترتوي ابدا ويظل الظمأ رفيق
دربها المجنون.
تبتسم في وجه
زوجها وتقدم له واجبات الزوجية كما كانت تفعل دائما. ضميرها يشعرها احيانا بانها
تخونه كونها تؤدي الدور بإتقان. تسأل نفسها احيانا اخرى ، هل انا خائنة ام انا
مخلصة؟ هل ما افعله يدفعني الى التمثيل ام انا صادقة فيما اظهره؟ لا تجد اجابة
شافية عندما يطرق بابها الدخيل الذي وجد مفتاحها وعبث برتاج قلبها.
هل مصادفة ما
وقعت فيه ام انها كانت تبحث بدون شعور منها عن هذا الدخيل فما وجدته حتى اسلمت له
القلب ودلته على الطريق؟ هل رتابة الحياة
هي ما اوصلتها الى هذه الحالة ام سوء اختيار منها في البداية لهذا الزواج؟
انها لا تعرف
ولا تريد ان تعرف . فعقلها الباطن يدفعها في اتجاه مخالف لعقلها الواعي.
كل تجارب
الحياة تؤكد ان الحب الحقيقي لا يظهر او يمكن معرفته الا عند سن النضج. بعد ان
تكون الحياة اظهرت وجهها القبيح للجميع. في هذا العمر يتمنى الانسان ان يعود الزمن
الى الوراء حتى يتسنى له مراجعة نفسه عند اختيار شريك الحياة. فمقاييس الشباب
تختلف كلية عن مقاييس سن النضج. بينما الشباب يبحث عن الرغبة والشهوة فسن النضج
يبحث عن المشاركة الوجدانية والكلمات الغزلية. يبحث عن قلب يحنو عليه ويهون عليه
مصاعب الحياة وجفوتها. يبحث عن لسان دافق بكلمات العشق والهيام. انه يريد ان يعود
الزمن الى الوراء ليخفي تصاريف الزمان عن وجهه ويعطي دفعة للقلب حتى ينهض من ضعفه
وعلته. انها قبلة الحياة التي يبحث عنها الانسان لتعيد اليه نضارته وابتسامته
وفرحته وشبابه وبهجته. كم منا يريد ذلك ، كم منا يريد ان يجري على شاطئ البحر
ممسكا طائرته الورقية؟ كم منا يريد ان يلعب مثل الاطفال والشباب؟
ما أقسى هذه
الفترة على الانسان . انها مثل الة الزمن تنقلنا من عالم الوهم الى عالم الحقيقة.
فجأة نشعر أننا نحسب ايامنا بعد ان كانت لاتشغل بالنا. فجأة يدب المشيب على الوجوه
وترتسم علامات الارهاق والتعب بعد ان كان الجسد لا يكل او يمل من القفز والجموح.
انها لحظة فارقة في تاريخ الانسان لا يمكن ان ينساها او يتناساها.
فالدخيل هو
الطبيب الذي ياتي عندما نطلبه راجين منه ان ينتشلنا من براثن العمر الذي كاد ان
يذهب. لم نزل نتشبث بما بقى بروح يملؤها الامل في الحب والبقاء. لم نزل نحلم بقلب
يعطف علينا ويحن الينا ويشتاق لضحكاتنا وبسماتنا.
ما أضعفك
أيها الانسان وما أكثر جبروتك أيها القلب!!
تعليقات
إرسال تعليق