عباسية
مرت على مصر
ثلاث سنوات عجاف ، أعجفها على الاطلاق السنة التي قضاها الاخوان في الحكم . هذه
السنة رأينا منها من المهازل ما لا يعد ولا يحصى سواء على مستوى الكلام الهزلي
وصولا الى مستوى الفعل الذي لا يرقى الا الى لعب الاطفال . فكل افعالهم وتصرفاتهم
لا يمكن ان تنبع من بشر لديهم ادراك العاقلين . فكم هالني احيانا تصرفاتهم
الصبيانية حتى انني كدت اشك انهم يمثلون علينا ادوارا مسرحية تقارع مسرحيات سمير
غانم حرفية . وكنت اقع احيانا اخرى في محاولات تفسير تصرفاتهم ولكن دائما افشل في
الخروج بتحليل منطقي وتصريف دلالي لما يفعلونه . وفي خضم محاولاتي الفاشلة كنت
انساق انفعاليا الى اسقاط تصرفاتهم وافعالهم لمستوى نظرية المؤامرة نظرا لعدم وجود
اي تعريف اخر يمكن ان استند اليه. ولكي اكون موضوعيا ، كنت ابحث في علم النفس
والسلوك الاجتماعي عن تعريف دقيق لحالتهم تلك وهل ناقشها العلم ام انها جديدة عليه
. واستشرت بعض الاطباء المتخصصين في هذا العلم علني اجد لديهم اجابات لما يراودني
من اسئلة. وبعد فترة اصابتني خيبة امل شديدة لعدم وصولي الى معرفة بيت الداء
عندهم.
وعلى الرغم
من ان تصرفات الاخوان هذه تخصهم وحدهم ، الا انها انعكست بالسلبية على كثير من
الناس التي كانت تراقبهم امثالي . فهم لم يدركوا ولن يدركوا ان هناك من يقوم
بتحليل كل ما يشاهده وان الحياة لم تعد ترى من منظور واحد وان زوايا الرؤيا اختلفت
باختلاف العقول والتوجه. والطامة الكبرى ان الكثير من الناس لم تعد تصدق اي كلمة
تخرج منهم – وهم على حق في ذلك – وهم بذلك دفعوا الكثيرين الى رفض خطابهم مهما كان
محتواه . ومما زاد الطين بلة ، ان خطابهم كان يحتوى الكثير من الاستدلال الديني
والذي دفع الرافضين لهم الى رفض هذا ايضا . وبالتالي سقط الخطاب الديني من علوه
المقدس الى ارضي مدنس . الامر الذي جعله محل نقد وفحص وتمحيص وجرد لكل كلمة تخرج
منه ومحاولة استنباط الدلالة منه وكشف العوار فيه . ولا اعلم ان كان هذا من حسن ام
سوء الحظ ، فان تنقيح الخطاب الديني كشف عن الوجه القبيح للتاريخ الاسلامي . واكرر
التاريخ الاسلامي بما يحتوي من افعال بشر وليس نقد الرسالة كدين مستقل . هذا الوجه
اظهر ان التاريخ يحتوى فظائع لا تقل بشاعة عن محارق شفيتزر النازية . ولطالما تغنى
الاسلاميين بالخلافة والتي ان تم لهم ما ارادوا لعادت صاحبات الرايات الحمر في
الظهور بحكم عودة الجواري والاماء. فالتاريخ الاسلامي لمن لا يدرك به من المساخر
ما لايمكن السكوت عنه والتي استغلها الكثيرين لفضح نوايا بعض من يتشدقون بالخلافة
.
وكرد فعل على
ما فعله الاخوان بالخطاب الديني ، نتجت حركة إلحاد بدأت تطفو على السطح وتعلن عن
وجودها . هذه الحركة تنمو في المجتمع كنتيجة طبيعية لتفاهة الخطاب الديني وجموده وتحجره
وعدم تحركه. وان حاولنا من تقليل شأن هذه الحركة فليس لنا في المقابل ان نقلل من
شأن الداعين الى دولة علمانية يتم فيها ازاحة الخطاب الديني تماما من المشهد . وهم
على حق ايضا ، لان الخطاب الديني لم يعد يلبي رغبة المجتمع في النهوض والتطور. هذا
بالاضافة الى ان الشريحة الكبرى من المجتمع المصري هي من الشباب والذي يحاول جاهدا
ايجاد مخرج لازماته الكثيرة وبالتاكيد لن
يجد حلول لها في الخطاب الديني. فالصبر والصلاة والدعاء والصوم هي اشياء لن تجدي
نفعا اذا كان الامل مفقودا . ولن يجدي الخطاب الديني نفعا وهو يرى الدول العلمانية
الكافرة على رأي البعض تتقدم الى الامام برغم عدم دعائها وصبرها . ولايمكن ان نحتال
على الشباب بهذا الكلام الان لان وسائل التواصل الاجتماعي افزعت العقول النائمة
وايقظتها من سباتها السرمدي . ويكفي ان ادلل على كلامي بان البعض اصبح يدخل بيوت
الراحة وفي يده (التاب) او (اللاب). لذلك فالخداع الذي كان يمارس على الجميع في
السابق لم يعد له وجود الان . والقدرة على تمرير ماتريده بدون ان يراه البعض اصبح
مستحيل . فالكل يراك والكل يشاهدك ويعرف متى تدخل الحمام ومتى تنام ومتى تذهب الى
عملك واين تعمل وكم عندك من الاطفال وهل ان سعيد ام لا وماذا تحب او تكره .
واذا استمر
الاخوان ومن على شاكلتهم في السير في نفس الطريق العقيم الذي لم يعد له اي قيمة
فانهم سيستيقظون يوما ليجدوا انفسهم في مستشفى الامراض النفسية . وهم فعليا على
ابوابها من الان .
تعليقات
إرسال تعليق