براد سلستيل
في احدى المرات التي عملت فيها خلال مرحلة حياتي العمرية كانت مساعد بناء (بتشديد النون ) . وكنا حينها نعمل على بناء (نصبة قهوجي ) في احدى الكافيتريات التي كانت ستفتح على طريق الكورنيش في اسكندرية . كنت لا زلت يافعا ولدي من المجهود الذي يكفي ليجعلني اعمل اربعة وعشرين ساعة متواصلة . وبعد ان اقتربنا من انهاء نصف الاعمال المطلوبة ، جاء صاحب الكافيتريا ليطلع على ما قمنا به وابداء اي ملاحظات يمكن وضعها في الاعتبار اثناء العمل . فأخذنا استراحة قليلة لنتحدث معه فيما يريد ، وبعد رد وصد سألته ماذا سيكون شكل الكافيتريا وكيف سيكون مستواها العام . وكنت قد سألت هذا السؤال لعلمي المسبق ان معظم ان لم يكن كل الاماكن على البحر تكون اسعارها سياحية كما يقولون - فالشاي ابو نص جنيه تجده بعشرة والشيشة ام جوز جنيهات تلاقيها بخمسة عشر – فجاء جوابه بعد افرد عضلاته وانفرجت تقسيماته بان الكافيتريا ستكون سياحية حيث سينزل طلب الشاي في براد سلستيل . هذا بالضبط كان الجواب ، براد سلستيل . فلم اتعجب من كلامه الا ان البراد السلستيل لفت نظري . فكان محور شرودي اثناء العمل حتى ان البناء نهرني لانني لم اعد اركز فيما اقوم به من عمل . ولكنه لم ينتبه الى ان البراد قد فعل معه فعل السحر على عقلي وجعلني اتذكر البراد الاسود المهبب الموجود في نملية بيتنا. ولكن ما العلاقة بين البراد السلستيل وخاتم الذهب الذي كان صاحب الكافيتريا يرتديه اثناء حديثه معنا ؟!
لا اعرف
لماذا يعمل عقلي بطريقة تجعلني اظن ان كل المشاهدات والملاحظات التي تمر امام
اعيننا يوميا لا يمكن ان تكون محض مصادفة . وانها مقدر لها ان تمر امامنا لنمعن
فيها النظر ونقرأ ما يحدث في الحياة من خلالها . فاشارة المرور الحمراء ، والاعلان
الذي يتسمى بنفس عنوان لفيلم اجنبي ، والكوبري المنزوع الاعمدة ، وبائع
الروبابيكيا الذي يمر مناديا ، ما هي الا شفرات تقول لنا دائما اشياء تؤدي بنا الى
المستقبل . فاذا استطعنا قراءة كل هذه الشفرات فان باستطاعتنا ان نتنبأ بما سيؤول
اليه غدا .
المهم انني
لا اعرف لماذا ربطت بين الخاتم الذهبي والبراد السلستيل ، وايقنت حينها ان هذه
الكافيتريا لن تنجح وستغلق ابوابها في فترة قصيرة جدا . ولكني لم احاول ان انبه
صاحب الكافيتريا الى ذلك حتى لا يظن انني من الحقودين الذين يرغبون في اشعال
العالم بولاعة رونسون .
وبعد ان
انهينا عملنا بنصبة القهوجي جاء وقت دفع الحساب ، فقام صاحب الكافيتريا باعطائنا
اجورنا وذهبنا من حيث اتينا . الا ان الامر لم يتنهي معي عند هذا الحد ، فما مر
يوم على افتتاح الكافيتريا الا وانا امر امامها لاتأكد من فعل البراد السلستيل على
المكان . فوجدتها تمتلئ بالزبائن عند افتتاحها ولكن الزبائن بدأت في التناقص بعد
اسبوع واحد فقط وبعد شهر واحد لم يعد هناك الا القهوجي يقف على النصبة التي
صنعناها خصيصا له . الى ان جاء يوم وجدتها مقفلة ولم يعد هناك اي احد يذكر البراد
الا انا .
في النهاية
استخلصت انه ليس كل جديد وغال يمكن ان يجذب الناس ، فالرخيص احيانا يكون له مفعول
السحر . والمكان ليس عامل جذب للزبون ايضا انما قد يكون دكان في اقصى ضروب الصحراء
مكان للعشاق والحالمين. انما الامر اذا اردت ان تجذب الناس فالبساطة في كل شئ اوقع
في النفس . والزخرفة لا يمكن ان تدوم الا اذا زخرفتها يوميا . ولا يمكن ان يدوم
مكان يقف على ابوابه براد سلستيل ويجلس بداخله خاتم ذهبي ..
تعليقات
إرسال تعليق