مسوخ وأشباح (واقعنا البائس )


سمع بكايا الحجر ، نهنه وقال مالك
فتفت قلبي وانا ببكي على حالك
في حاجة غالية عليك يا شاب ضايعالك
انا قلت ضاع الامل مني ومش آمن
بحلم اعدي الزمن في نطة مش ضامن
قد تحمل كلمات هذه الاغنية الجميلة (محمد منير )  بعض الاحساس والشعور الذي يعتمل في صدري منذ فترة ليست بالقليلة. هناك احساس بفقدان الامل ، والمقصود ليس امر شخصي يخصني فقط ولكنه شعور بعدم الامن العام والاحساس بعدم وجود امل في اصلاح احوال المجتمع الذي نعيش فيه. وبؤس الانسان ياتي عادة من ضغط الاخرين. فالانسان ليس كائن يستطيع ان يعيش وحيدا، وينزع بالفطرة التي خلقه الله عليها الى التواصل والترابط مع بني جنسه. وعليه لا يمكن له ان يعيش منعزلا عن مجتمعه وجنسه. وما يدفع الانسان الى الابتعاد عن الناس والانزواء واحيانا الاختفاء عن الانظار هو وجود عوامل خارجية تؤثر عليه بشكل مباشر تدفعه لتجنب هذه العوامل التي تضغط عليه نفسيا. وهو رد فعلي عقلي طبيعي ينشأ عندما يحتاج العقل الى الهدوء النفسي والسكون. وعندما لا يجد الهدوء فانه يضطرب ويختلج ويؤثر في ردود افعال هذا الانسان فيجعله اما في شقاء او تعاسة.
وعلى الرغم من ان الله قد خلق الانسان في احسن صورة، واعطاه في ذات الوقت العقل الذي يحكم به بين الحق والباطل، ولكن الانسان ارتد واختار طريق الضلال بدلا من الهداية. فانهارت القيم وظهرت بعض الصور الشاذة في المجتمع والتي لم نكن نسمع عنها من قبل بهذه الفجاجة. فحالات قتل الابوين او احدهما والشذوذ الجنسي وزنا المحارم والاغتصاب والنفاق ، كلها صور لم تكن ملحوظة او حتى لم نكن نسمع عنها او نعيها. ولكنها ظهرت على سطح المجتمع بصورة تكاد ان تكون شبه يومية وتسرد الصحف احيانا بعض تفاصيلها.
والذي يلفت النظر في هذه الحوادث هو شذوذها وخروجها عن المالوف. فهي لم تعد زنا او سرقة او حتى قتل بالشكل الذي صرحت به الكتب السماوية ولكنها تخطت هذه الحدود واصبحت تجمع بين الجريمة التي نصت عليها الاديان وبين حرمتها من جهة شذوذها. فالذي يقتل ابويه جمع بين جريمة القتل وعقوق الوالدين، والذي ارتكب زنا المحارم جمع بين جريمة الزنا والاختلاط بالمحارم. حتى السرقة لم تعد كما كانت سرقة فقط ولكنها تجمع بينها وبين القتل في احيان كثيرة. ونستطيع ان نقيس على هذا المنوال كل صور الشذوذ التي نراها يوميا من تحرش وانفلات اخلاقي وربا وتجارة محرمة وانحلال، وقل في ذلك ما تشاء. ولم تعد النصوص المقدسة تكفي لردع مثل هذه الجرائم. فالزاني قد يحاسب اذا تم القبض عليه حسب القانون المدني او النص الديني ولكن ماذا سيفعل المشرع في جريمة زنا بين اب وابنته او شاب وعمته؟؟؟؟
اما الامر الاخر الذي دفعني الى كتابة هذه المقالة ، هو الطرف الاخر من المشكلة. والذي اعنيه بالتحديد هو الطرف السلبي. والطرف السلبي الذي اقصده هم المشاهدون الكرام ، او المسوخ والاشباح التي تقف على جانبي الطريق تشاهد ما يحدث ولا تحرك ساكنا. فكم مرة شاهدت فتاة تواجه تحرشا ولم تحرك ساكنا؟ كم مرة شاهدت مشاجرة ولم تحرك ساكنا؟ كم مرة شاهدت مصاب ولم تحرك ساكنا؟ كم ، كم ، كم ، كم؟؟
لن آخذ الامر من المنظور الديني والذي يحضك الى ان تكون متحركا وفاعلا في سير الاحداث. لن احدثك عن تتبع سنة الرسل والاديان وان تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر. ولكني سأطرق لك باب اخر ، وهو اين ضميرك مما يحدث؟ اين انت في الحياة؟ الا تشعر بالغيرة يارجل؟ الا تشتعل النخوة في راسك فتدفعك الى ملاطمة امواج الضلال؟
هل الخوف وصل الى مراحل متاخرة ، هل ينتشر الخوف مثل السرطان؟ كيف ياتي جيل يحمل صفات الخوف في جيناته؟ هل الذل ضارب في جذور الشعب الى الدرجة التي جعلت الجميع عميان؟ كيف احارب وحدي واقف امام الذل وحدي وانصر الحق وحدي ولا اجد مساعدة؟ كيف يخطئ سهم الموت كل مرة اخوض فيها الصعاب؟
البؤس في اعظم صوره عندما تجد من يدافع عن الحق والجميع ينظرون اليه وقلوبهم وجلة ترتعد فرائصهم من الخوف وعندما ينتصر ينالهم منه نصيب من الغنيمة.
اقسم بالله ، ساحارب الظلم وحدي وعندما انتصر ساحاربكم فصبرا آل خوف .........


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية