البلوك العظيم
اذا دعيت مرة لحفل عشاء او عيد ميلاد احد الاشخاص فانك قد تجد اشخاص موجودين لا تعرفهم وربما جمعت المناسبة ان تتكلم معهم وتقترب منهم في بعض الاحيان. وقد تكون هذه المناسبة السعيدة بداية صداقة باحدهم. فالمناسبات التي تجمعنا ببعضنا تقربنا ببعض لكي نلقي نظرة عن كثب بشخصياتنا. فمنا من يطيل النظرة لكي نتعرف على سمات الشخصية العامة ومنا من لايهمه او لايشعر حتى بهذه النظرة. فاذا واتتك الفرصة لكي تقترب من احدهم وتدخل معه في حوار مفتوح حول اي موضوع مثل ما يجري هذه الايام من تصاعد الاحداث على المستوى المحلي وما يستتبع ذلك من وجود خلافات قد يجدها البعض جوهرية ولكنها فعليا لم ترقى الى هذا الحد و لاتعدو عن كونها خلافات ظاهرية بسيطة ان حاولنا التدقيق فيها وتقيمها. ولكن الملفت للنظر هو تمسك كل منا برايه والذي بناه على اعتقادات وتصورات لم يدخل اليقين في بنائها. فعندما تقيم هيكل المعرفة لديك فانك تتاخذ اشكالا مختلفة لمصادر هذه المعرفة. فمنها على سبيل المثال لا الحصر، الكتب والدراسة والميديا بمختلف انواعها. فيتكون لديك مع مرور الزمن إرث ثقافي معين يشكل فكرك واسلوب وطريقة تعاملك مع الناس في مختلف الظروف تقريبا. هذا هو النمط والسيرورة العامة للمعرفة لبني البشر اجمعين ولكن في بعض الاحيان تحيد روافد المعرفة لقصور في منابع هذه المعرفة حينا، و قصور في المتلقي لهذه المعرفة حينا اخر. فلازلنا نعتمد بصورة كبيرة على روافد الميديا فقط بدون ربطها بوسائل القراءة العامة والمعرفة الحثيثة للتطور الناشئ حولنا. فوسائل الميديا لا تشكل وعيا ناضجا قادرا على الاستنباط والاستدال لمشاكل الحياة التي تضرب باطنابها في عمق الوعي العام. فالوقوف فقط على المنتوج لهذه الميديا يجعل الانسان مشتت الذهن فاقد الحس المعرفي الصحيح. فوسائل الميديا داخل المجتمعات المتخلفة لاتخاطب العقول بقدر مخاطبتها للعاطفة. فتلعب على وتر المشاعر لكسب اتجاه سياسي معين دون النظر لعواقب هذه الفعلة. فالشعور لدى الانسان يختلف باختلاف الظرف الواقع تحته والذي يحدد نظرته للحياة والكون. ويحدد نظرته ايضا لجاره وزميله في العمل وكل المحيطين به. فالصورة المبثوثة من خلال هذه الميديا تنقل الانسان من طور الى طور في لحظات. وتنقل مشاعر الحقد والغل في بعض الاحيان بدون ادراك لمدى تاثير هذه الفعلة. واذا اردنا ان نضرب مثلا على ما نقول، فلكم جزء من الاحداث التي وقعت في قضية احمد الجيزاوي وما صاحبها من ضجة اعلامية ما لبثت ان هدات زوابعها. وايضا قضية حازم صلاح ابو اسماعيل وما فعلته في الراي العام. فوسائل الاعلام قادرة على البناء ان ادركت ذلك وقادرة على الهدم اذا ارادت ذلك. ولكن لنا نحن ان ندرك هذه الماساة. فتجييش الشعوب عن طريق وسائل الاعلام اصبح اكثر فاعلية من تجييشها في الحروب.
ولكن الفعل المنعكس الشرطي الذي يحدث للوعي العام من جراء هذه الافعال يصبح مثله مثل قصة الراعي الذي ظل يستنجد باهل قريته لمساعدته على قتل الذئب الذي كان متربصا بخرافه. فكل مرة يخرج اهل القرية لايجدون شيئا وعندما اصبح الموقف حقيقي لم يستصرخه احد لادراكهم بانه يهزأ بهم بالرغم ان ماحدث له كان حقيقي. فهل سنجد يوما ان هناك من ينتهك حرماتنا ولا نخرج من بيوتنا لظننا بان مايحدث غير حقيقي؟
الجزء الثاني من المشكلة والذي يترسب في اعماق الوجدان العام من هذه الافعال، هو ترسيخ مبدأ الرفض وعدم الاعتراف بالاخر، فاذا واجهت انسانا بفكرة او رأي يخالف معتقداته فانه لايلبث الا ان يهينك انت في شخصك بدون النظر لما تقول او يقيم ما تدعي. فالنقد في تعريفه البسيط ، هو نقد الموضوع وليس نقد الذات. فكل انسان له هيئة وفكر معين، فاذا اردت ان انقده فلا يجب علي الا ان انقد فكره فقط بدون التطاول على ذاته. فالفكر نسبي قد يعلق به بعض الاخطاء التي نصححها بالنقد ام الذات فمطلقة لايصححها الا خالقها. فكل منا له هيئة وشكل معين لم يكن لنا يد في صنعها. اما الفكر فهو تفاعل خبرات وتجارب وعلوم قد تعلمناها على مر الايام. وبسبب هذا الرفض ينقسم المجتمع الى طبقتين ، طبقة تحمل بعض الشهادات العلمية تدعي المعرفة والعلم. وطبقة دون ذلك لاتملك من حق الاعتراض قيد انملة وتنأى بنفسها عن المواجهة. فاذا اجتمعت الظروف لتلاقي الطبقتين نجد ان الحرب مستعرة بينهما. فطبقة العلم ترفض سماع الطبقة الاخرى ولاتقبل منها اي نقد وترفضها شكلا وموضوعا وتقيم لنفسها السدود لحماية ذاتها من الغوغاء. والطبقة الادنى تسب طبقة العلم لانهم سبب ماهم فيه من ابتلاء. وتكون لغة الحوار بينهما في النهاية عبارة عن لعن وسب بعضهما البعض بدون التطرق الى اي حديث علمي. فالعلم الذي لدى الطبقة الاعلى لم يسعفها في طريقة التعامل مع من هم دونهم. وينتهي الشجار بينهم الى انقسام المجتمع الى جيتوهين يرفض كل منهما الاخر. ويقف حدود التعامل بينهما الى القاء السلام فقط وفي بعض الاحيان الى الصمت والبلوك العظيم.
تعليقات
إرسال تعليق