رجس الاشباح
سيذكر التاريخ هذا اليوم جيدا كما ذكر ايام مثله، فهو يوم عيد عند البعض وغير ذلك عند اخرين. فاليوم هو الاحد الرابع والعشرين من شهر يونيو في العام 2012. والسبب في ذلك انه اليوم الذي انتخب فيه السيد محمد مرسي رئيسا لجمهورية مصر العربية وخسارة في الوقت ذاته الفريق شفيق سباق الرئاسة. المؤلم في هذا الموضوع هو انني كنت من الداعمين والمصوتين لاحمد شفيق. ومازاد من اطمئناني لكونه سيصبح رئيسا هو حملته التي ظلت طوال الايام الماضية في بث الثقة في نفوس مؤيديه ودفعهم حتى الى الاحتفال بالنصر المؤزر المنتظر. لم يخالجني شك – وهذا ما سبب لي حالة نفسية سيئة بعد علمي بخسارته – في فوزه للحظة. فقد كنت بالامس فقط احتفل وسط المحتفلين في ميدان النصر وتغمر الفرحة الجميع وكاننا عبرنا حاجز الزمن ودخلنا الى مدينة الاحلام نرقص فيها على انغام اغنية شعبان عبد الرحيم وغيرها. كنا كالاطفال من شدة البهجة والاحساس بالزهو حتى ان بعضنا قد اصابه الخرس من كثرة الهتاف والصريخ ولم تستطع حناجرنا ان تخرج صوتا طوال طريق العودة الى الاسكندرية. تحملنا الم الجلوس على كراسي الاتوبيس المعوجة وارتفاع درجة حرارة الجو بالاضافة الى طول الطريق. لم نتذمر او نعترض على بعضنا البعض ولم نعبس طوال الطريق. دوي الضحكات كان يعبئ المكان من كل جانب والاحاديث الجانبية المثيرة يتجاذبها الجميع حتى ان احساس الاخوة والترابط كان واضحا جدا كالشمس في رابعة النهار. نظرات البراءة كانت تطل من عين الجميع والبسمة لم تختفي من على الشفاه طوال اليوم. ولكن يجب ان نقف لنسال انفسنا، هل هذه هي ضريبة الديموقراطية- كما هو ظاهر الى الان- التي لم نكن ننتبه لها؟ هل كسرة النفس هي ضريبة الخاسر؟؟ وكيف اتقبل الهزيمة بصدر رحب واهد كل مابنيته داخلي من جنان الوهم بين يوم وليلة؟؟
تجرع مرارة الهزيمة اشد وطأة من القتل ذاته، فالهزيمة حتى ولو كانت في منافسة شريفة تتطلب روح تسمو باخلاقها فوق الغل والحقد وهذا لم نكن نعيه من قبل ولم نتدرب عليه. ولا سيما اننا لم نكن لننظر الا من زاوية واحدة الا وهي زاوية فوز شفيق. ولكن ما الذي دفعنا الى اختيار شفيق من الاساس وجعل نصف الشعب المصري تقريبا يقف معه. هل تلاقي الارواح وبشاشة وجهه هي السبب في اختيارنا اياه؟ هل نحن شعب عاطفي الى هذه الدرجة؟ هل نفتقد الحب فنرتمي في احضان من يكلمنا بلطف ومحبة؟ ام ان لدينا فراسة كانت تخبرنا بانه افضل من محمد مرسي؟
هناك الكثير والكثير من الاسئلة التي بدأت اعجز عن ان اجد لها تفسيرا، فبعد كل محاولاتي لاستنباط واستنتاج ما ستؤول له نتيجة الانتخابات ، وبعد كل فرز وتحليل الكلام والافعال في الفترة الماضية اكتشفت ان الامر لايمكن التوقع به نهائيا. فالامر لايعدو عن كونه مقامرة يدخلها لاعبين كثر يسحبون اوراق اللعب وهناك خلف الطاولة ديلر هو من يحرك اطراف اللعبة. ولكي تكتمل الماساة تظهر الورقة الرابحة في ميعاد محدد لتخالف كل التوقعات. فينهار اللاعبين ويخرج علينا الفائز بالفيش بين جنباته ونحن نعض على اطراف اناملنا من الغيظ لنموت بغيظنا كما قالوا لنا!!
ولكي لا نتمادى في الغي ، قررنا ان نعترف بالهزيمة فقط لكي نكون نحن البادين بالسلام فنحن لم نكن من اصحاب الرايات السود ولن نكون. وقررنا زيادة على ذلك ان نرفع القبعات لنحيي الدكتور محمد مرسي داعين الله ان يسلكه مقام المصلحين ومعترفين بان العزة لله جميعا يهبها من يشاء ويأخذها ممن يشاء.
اما الامر الاخر الذي وددت ان انهي به هذه المقالة ، هو فكرة صناعة الاشباح او بمعنى ادق كثرة الشائعات التي كانت المحرك الفعلي في عملية غسيل المخ التي كانت تسير على قدم وساق خلال الفترة الماضية. فكثرة الشائعات كانت احدى اكثر الاسباب التي تدمر الانسان ذاتيا وتجعله غير متزن في ردود افعاله حيال الاخرين. وهذا السبب كافيا لان نرى مظاهر العداء التي تحيط بالفريقين ، الفائز والمهزوم. فالروح الرياضية منعدمة تقريبا والكل مسلط سهامه على الاخر ومتهما اياه بالتزوير. فالشعب انقسم فعلا الى فريقين متربصين ببعضهما. ولا اظن ان الجموع الغفيرة الموجودة في ميدان التحرير وما تحمله من مظاهر الفرح والسرور تشعر بما يحمله النصف الاخر من الشعب من مظاهر الحزن. واذا كنا على هذا الوضع من الفرقة فعلى القائمين على الدولة الاسراع في محاولة لم الشمل بين الناس حتى لا ينقلب الحزن الى غم يطال نصف الشعب المصري ويصبح عدوى تنتقل مع مرور الوقت الى حزن عام يخيم على الارجاء وتصبح النفس مبتورة بعد ان يخرج منها اكثر صفات المصريين غلبة وهي الضحكة والبسمة.
المهم اننا لم نعد كما كنا ولنا ان نأخذ في اعتبارنا ان هناك شيئ يحدث داخلنا وبدأ ينمو ولا اعرف ما هي طبيعة تكوينه او ما هو شكله وصفاته . ففقدان الثقة وصل مؤشره الى العلامة الحمراء ومساحة الحب والود ذرتها الرياح ومعدلات الكره والنفاق وصلت ذروتها. فهل سياتي محمد مرسي بالملاك الذي سيذهب عنا رجس الاشباح؟
لا أعرف!!!!!
تعليقات
إرسال تعليق