الجهل نعمة


هل القراءة تجعلك تزيد معرفة ام العكس ؟؟ هل تجعلك تشدو وتصدح وتصدع بما تعرفه ام انها تخرسك للابد ؟؟
يبدو من السؤال ان به مغالطة منطقية ولكنه في الحقيقة له دلالة قد تكون بعيدة عن الانظار . فمن خلال عمر انقضى في العلم والدرس لم اكن اعلم ان المعرفة قد تكون نقمة وليست نعمة كما يظن البعض . ولا ادعي انني ملكت مفاتح العلم ولكن كلما زادتك معرفتك كلما ابتعدت عن المحيط العام الذي نشأت وترعرت فيه. هذا المحيط ان لم يكن على قدر المستوى لمعرفتك ، فقد تنجرف الى مهاوي الصمت ولا تستطيع التعليق على اي حدث لانه بالتاكيد خارج سياق القيل والقال. المعرفة لا تنمي العقل فقط ولكنها  تنمي القدرة على استنباط المجهول الذي لا يراه معظم الناس. المعرفة عبارة عن وحي لكشف الحجب والغيب وكشف المخبوء بين الكلمات.
واذا اردنا ان نجيب على السؤال السابق فلنا ان نقول ان القراءة سوف تبعدك عن الاخرين لانها لن تجعلك تردد ما يقوله الاخرون. وسوف يكون لك رأي منفصل في الاحداث لانك ترى من الجوانب مالا يراه الاخرين. المعرفة ستحولك الى انسان وحيد لا يستطيع التكيف مع البيئة المحيطة وتترسخ داخلك هموم لا تجد القدرة على ازاحتها . واحيانا تحولك الى انسان بائس لانك لا تنفك عن تحليل المواقف ومحاولة استكناه اسباب كل شئ تراه. تجعلك تغرد خارج السرب دائما ويكون صوتك نشاز في كل حوار تفتحه. وتكون الصعوبة القصوى في التأقلم عندما تعلم ان معظم المجتمع ليس لديه الامكانيات للمعرفة حتى بعد ان زادت وسائل المعرفة المجانية المتاحة للجميع. وبنظرة صغيرة لكل مواقع التواصل الاجتماعي قد يذهلك كم الجهل الذي يخرج من المتعلمين ويصيبك الاندهاش عندما تعلم ان الغالبية العظمى من المؤهلات العليا تفتقد القدرة على الكتابة باللغة العربية في بعض الاحيان. واصبحت معرفة التفرقة بين حرف الذال وبين حرف الزين ضرب من المستحيل.
لذلك تكون المعرفة والقراءة وسط مثل هذا المجتمع هو جهد لا طائل منه واضاعة وقت كان من الافضل ان تنفقه في شئ اخر . حتى انها في بعض الاحيان تكون ضرر اكثر مما هو نفع . ويكون لزاما عليك ان ترضخ لكل فكرة سيئة لمجرد انها تدل على ثقافة القطيع. وتردد كل ما يقوله الاخرون حتى تستطيع العيش في سلام ولا ينفض من حولك كل من تعرفه اذا اردت الحفاظ على ما تبقى منهم. انها المعاناة في ابشع صورها.
ولكي ادلل على كلامي فلك ان تلقي نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى تشاهد بنفسك كم التفاهة وقلة الادب وسوء استخدام الكلمات والجمل والهجوم الغير مبرر والنقد الهدام وقل ما تشاء من عندك. حتى انني مارست هوايتي في النقد على احد الشيوخ الذين ينتشرون مثل الجراد في كل مكان ، فلم اسلم من مريديهم وكالوا لي السباب لمجرد سؤال وجيه وجهته له . فلم يرد طبعا وانبرت تلاميذه في الدفاع عنه وكانه نبي او رسول .
ايها البشر رحمة بنا ، دعونا نعيش بسلام كما تعيشون ودعونا نقول كل ما نريده ، فلربما جاءت على افواهنا اقوالا تنفعكم في دنياكم واخرتكم . ولعل قول زنديق ابرك الف مرة من قول شيخ يجركم الى نار جهنم وانتم لا تدرون.
بل لعل قول ملحد يجعلكم تؤمنون بالله وتتقونه ، يكفيكم قول شيخ اهلك الحرث والنسل بفتاوي لم ينزل بها الله من سلطان. ويكفي ما اقول من سوء هؤلاء الشيوخ، ان تشاهدوا كم الخراب والدمار الذي يحدث في الدول العربية والتي استقى اكثر سفاحيها مشروعية ما يفعلونه من هؤلاء الشيوخ .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية