الاصابع المكسورة والعقول المطمورة


مررت ذات مرة بالقرب من احدى مقرات الحزب الوطني الغير مأسوف على رحيله. فتذكرت لحظتها كم كانت قوة هذا الحزب برموزه ورئيسه وجبروته وعنفوانه وما حدث له من تدمير وسحق على أيدي الثوار ومن لهم مصلحة في تدميره. وتذكرت ايضا قدرة الله على تدمير كل ظالم وخطرت في بالي بعض ايات القران التي تنبه لقدرة الله في الكون وفي خلقه وكيف هو المعز المذل. عندما تذكرت كل ذلك تواضعت كثيرا وطأطأت رأسي حتى يتغمدني الله برحمته ولا يسلط علي ظالم او يذلني في الدنيا. اكملت مسيري لاكمل باقي شؤون حياتي حتى صادفني احدهم وهو يمدح الاخوان وسياستهم في الحكم وكيف هم يحاولون اقصاء كل رموز النظام السابق. وظل يعدد لي افعالهم واقوالهم ، ولكني لاحظت انه لا يدرك ان الكره لدى الانسان ان لم يستطع السيطرة عليه قد يتحول الى ظلم. فاذا كرهت انسان في حياتك فقد تحاول ان توقع به اقسى درجات العذاب بالرغم من العدل هو ان تاخذ منه بقدر ما اخذ منك ولا تزيد حتى لا تقع في المحظور وتصبح ظالم جملة وتفصيلا، ولا تستطيع في الوقت ذاته التمييز بين كونك تاخذ حقك وبين انك تظلمه. فالفرق بين احقاق الحق وايقاع الظلم شعرة لا يتبينها الا ذو بصيرة. لذلك ذكر الله كثيرا ان العفو والصبر افضل عند الله كثيرا لانك لن تستطيع تبين هذا الفرق.
الامر الاخر الذي لاحظته من سياق كلام هذا الاخ ، هو انه يكرر نفس الكليشيهات التي يرددها من هم على شاكلته. فاعمال العقل فيما يقولوه هو بمنأى عن اي تفكير سليم لديهم وكأنهم جبلوا على ترديد الكلام مثل الببغاوات. فتجدهم يقولون ان الدنيا ستصبح ( قشطة وزي الفل ) بمجرد انهم يطبقون الشريعة وان الامطار لم تزل تهطل حتى تفيض الانهار والينابيع، وستحنو انثى الاسد على فريستها من كثرة الخير والاضاحي. وستغدو مصر جنان الله في ارضه لمجرد رفع اعلام الحرية والعدالة وسيوف الجهاد. ولكي نفسر سر هذه الظاهرة لن نخوض في التاريخ ولن نأخذ العبر من سالفي الذكر ولن ننقص حق القوم ولن نردد كما يرددون ولكننا سنقول لكم كلمة قد تنفعكم فيما انتم مقبلين عليه.
ايتها الكائنات التي تعيش معنا على نفس الرقعة ، رفقا بنا فنحن بشر امثالكم ، نجوع فنطلب الطعام ونحزن فنطلب الفرح ونطلب الرزق فنجد السعي. الم تنتبهوا بعد بان مصر في ذيل قائمة الدول ونتسول المال من الغريب قبل القريب؟ الم تشعروا بان الفقر الذي انتم فيه هو مما كسبت ايديكم؟ الم تفيقوا على ان جهلكم هو سبب تخلفكم؟ الم تنظروا فيما فعل العلم بالدول الخارجية؟ الم تفهموا بان العلم هو سبب تقدم الدول مهما ان كانت كافرة او فاجرة؟ الم تيأسوا بعد من الابتهالات والتسبيحات التي تشنفوا بها اذانكم والتي لا تقدم ولا تؤخر؟ الم يحن الوقت بعد لمراجعة ما تعتقدونه وتضعونه في امخاخكم بدون دراية او علم؟ الم يأت الزمن بعد الذي تدركوا فيه ان الصعود للقمر يحتاج لصاروخ والسفر في البحر يحتاج لسفينة والنزول لاعماق البحار يحتاج لغواصة؟ الم تشعروا بوخز الضمير بانكم لم تضيفوا اي شئ للبشرية؟  الم يات الوقت بعد لاعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله؟ الم تعوا بعد بان الايمان بالله امر شخصي ليس لكم دخل به؟ الم ، الم ، الم؟؟؟
ليت شعري ، كيف لكم تفهمون ما اقول بينما ليس لديكم اصابع تقبضون بها على العلم وان وجدت لكم اصابع فكيف تستطيعون ازالة هذا الكم الهائل من الهراء الذي يتراكم في عقولكم يوما بعد يوم بدون حتى ترتيبه او تصحيفه او فهرسته.  
الاضافة الوحيدة التي تحسب لكم انكم اصحاب اكبر منهج فاسد في التاريخ ، فبئس القوم المتخلفون!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية