القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )


داخل احدى قاعات المحكمة ، وقف المجرم في قفص الاتهام يدافع عن نفسه من الجريمة التي وجهها اليه القاضي. فكان المجرم يدافع عن نفسه ولم يستعن بالمحامي الذي خصصته له المحكمة لانه كان يظن انه ناج من التهمة الشنعاء. وكان جميع من بالقاعة ينظرون الى المجرم وهم في حالة من الاندهاش والاستغراب ظنا منهم ان المجرم لديه من الحجة والاقناع ما يوجب ان يتم تبرئته تماما من التهمة الموجهة اليه. وظل القاضي صامتا حتى ينتهي المجرم تماما من مرافعته وحجته التي يلقيها عليه.
الا ان القاضي لم يمهل المجرم في السرد بعد ان بدأ يشعر بالملل . فاستوقفه حتى لا يتمادى في الشرح والتعليل وسأله سؤال : انك تتكلم منذ ما يقرب الساعة الان ولم أقاطعك حتى تأتي بكل ما لديك من حجج واوهام . ثم انك تنظر الان وتملؤك الظنون والامال بانني سوف اعطيك حكما بالبراءة بالرغم من انك لم تعطيني اجابة واضحة شافية عن سؤالي وسوف اكرر عليك السؤال ، ما الذي دفعك الى رجم انسان حتى قضى نحبه؟ الم تكن تعرف ان عقوبة الزاني هي الجلد فقط وليس القتل؟
فرد عليه المجرم ، ولكن الزاني حضرة القاضي حكمه الرجم ان كان محصنا وانا لم انفذ الا ما هو موجود في الدين الاسلامي ولم اقرر الفعلة الا بعد ان احضرت اربعة شهود عدول ثقات لم يثبت عليهم تهمة او شبه من قبل.
فعقب القاضي ، الم يكن من الاجدى قبل فعلتك تلك ان تستوثق من عالم خبير وشيخ جليل؟
فقال المجرم، انني بالفعل استوثقت من الشيخ الفاضل وهو من اشار علي بالحكم كما رأيت. فهل انا مذنب لانني طبقت شرع الله؟
فاعتدل القاضي في جلسته وسأله ، هل لك ان تقول لي ما هو حكم الشرع في جريمة الزنا كما تضمنتها الايات؟
فرد المجرم، السائل ليس بأقل علما من المسؤول وانت اعلم بها مني بالتاكيد حضرة القاضي.
فنظر اليه القاضي نظرة غضب وعقب ، ولكنني اريد ان اتاكد انك تعرفها بالفعل.
فأحس المجرم بنبرة الغضب في صوت القاضي فأجاب مسرعا ، انها الجلد مائة جلدة وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين.
فرد القاضي ، اذا فأين هي عقوبة الرجم؟
فقال المجرم ، انها في السنة ، في صحيح البخاري وانني يمكن ان احضر لك الاحاديث الدالة عليها.
فرد القاضي ، ولكن هذه الاحاديث كلها ظنية حتى المتواتر منها ، اي انها تخضع للبحث والتقصي ولا يمكن اثبات صحتها طالما انها ظنية.
فقال المجرم ، ولكنني لم استرشد بها الا بعد ان نصحني الشيخ الجليل.
فقال القاضي ، انك تابع لشيخ أضلك ولم يرشدك الى الطريق القويم وانت لم تقرأ حتى تستطيع ان تتبين الصواب من الخطأ. والايات تقول ان يقرأ كل انسان بنفسه ليعرف ويتعلم ولا يكون تابع لمتبوع يسوقه معه الى النار يوم القيامة.ولا يمكن ان تكون مؤمنا الا بعد البحث والتقصي. فايمانك انما هو ايمان من كان قبلك واتبعت ملة ابآئك بدون دراية منك واعتمدت على قول هذا وذاك وطبقت كلمة هذا ما الفينا عليه آباءنا. اولو كان اباءك لا يعقلون ولا يفقهون؟ واصبحت مثلك مثل الذين من قبلك وسرت فيكم سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
يا أيها المجرم اعلم انك لم تتخذ سبيل الحق ، فالحق انما هو موجود في كتاب الله ولا غيره واتخذت كتبا اضلتك ولم تكن صحيحة لانها مكتوبة في زمن اتى بعد موت الرسول بقرنين. ولم ينزل الله بها من سلطان. فصدقتها وآمنت بها وتركت القرأن وراءك ظهريا واستعنت بها على فعلتك الشنعاء . ولكي اثبت لك انك على خطأ فهل لك ان تجيب على السؤال التالي ،
ما هو حد القاتل عن عمد في كتاب الله ؟
فرد المجرم ، انه القصاص والقتل ، من قتل يقتل.
فقال القاضي ، وما هو حكم الزاني في كتاب الله؟
 فقال المجرم ، الجلد مائة جلدة .
فرد القاضي مغاضبا ، اذا معنى كلامك ان الزاني لا يقتل وانما يجلد فقط ، والجلد لا يمكن ان يرقى الى مستوى القتل لانه لا يتم بالقوة لقتل انسان والا تحول الجلد الى القتل. فكيف لك تساوي بين حدين لا يتفقان ، كيف لك تساوي بين حد الزاني وحد القاتل؟ ان اختلاف الوسيلة لا يهم طالما تؤدي الى نفس النتيجة ، بمعنى انه اذا قتلت نفسا بالسيف فلا يضيرها ان تقتلها بالرجم لانه في الحالتين الموت هو النتيجة. وبالتالي فانت طبقت حكما لا يجوز تطبيقه على حالتنا هذه. وبناء عليه نصدر حكمنا عليك ونحن مطمئنين اليه ،
حكمت المحكمة بإقامة حد القتل عليك عن عمد مع سبق الاصرار والترصد وبدون ان تأخذنا شفقة ولا رحمة حتى يعتبر كل انسان وحتى يفكر في كل مايفعله. فان هذا الحكم انما هو صرخة انذار لكل انسان حتى يتدبر ايات الله ولا يستعين بكتب اضرتنا اكثر مما نفعتنا لانها تحيد عن الحق والحق احق ان يتبع.....
رفعت الجلسة....

  

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

أسماء قداح الجاهلية