عجائب البشر السبع


كما ان هناك سبع عجائب للدنيا فان للبشر ايضا من العجائب سبع. وهذه العجائب البشرية موجودة ونكاد نراها ونلمسها يوميا ونتعجب منها ايما العجب. وهي ليست بعيدة عنا وعن حياتنا. فهي تروح وتجئ اينما ارتحلنا وتبيت معنا اينما بتنا. فهي كالظل لما يلتصق بصاحبه او كالنهر لما ينساب على جوانبه. والاختلاف الوحيد بين عجائب البشر وعجائب الدنيا انها موجودة في المنطقة العربية فقط. ولكن للاسف لا يتم استغلالها على الوجه الاكمل حتى تكون مصدر للدخل القومي كما اختها  فهي خصيصة لنا فقط نحوزها ولا نتركها ونحافظ عليها ولا ننشرها فعدت صفة مندوحة فينا لا يروم الفتى الا ويستعجلها لكي تنير له الطريق ويستأنس بوحشته الرفيق.
وأول هذه العجائب هي الفتوى . فانت ان خاطبت المرء اي سؤال ما لبث الا ان اتاك الجواب سريعا حتى ولو كانت الاجابة خرجت من بين فرث ودم. الاجابة حاضرة دوما والنفوس عامرة بكل التجارب والخبرات. واذ حاولت ان تراجع رأيا ظننته خاطئا ، يأتيك الرد يتبعه علامة التعجب وكأن الخطأ غير وارد ، وينظر اليك بعينين حمراوين تملؤهما الضجر والغضب. واذا حاولت ان تبين له مقدار حياده عن الامر ، بدأ صوته في العلو والارتفاع محاولا فرض رأيه بالقوة. فاذا زدت من الضغط قد ينفجر في وجهك وتتناثر شظايا الكلمات في الهواء. فيتحول الحرف الى رصاصة وتتحول الكلمة الى قنبلة ويغدو فمه مثل المدفع وتصير انت الهدف الذي يجب قتله على الفور. عندها يصبح امامك طريقان ، اما ان تنسحب من اتون المعركة وكفانا الله واياكم شر القتال ، او انك تصد الهجوم بهجوم اخر فتباغته وتطعنه في اعز ما يملك وتبين له مقدار جهله. فتكسب عدوا جديدا ينضم الى صفوة اعداءك وتبيت مهموما من قلة حلفاءك.
اما ثاني هذه العجائب فهي ( المعلش ). والمعلش لمن لا يفهمها هي كلمة استرضاء يحاول صديقك او زميلك ان يقنعك او يأمرك بشئ انت له رافض. وعادة تتبعها كلمة علشان خاطري. فجبر الخواطر عندنا من النقم التي اذلنا بها الله حتى اننا لم نعد نفرق بين الهزل والجد بسببها. فتضرب اخاك ثم تقول له معلش. وتطلب امرا صعبا من صديق وتقول له معلش . وتمارئ وتهادن وتمالئ وتداري وتنافق ثم تقول معلش. وكأن المعلش هي المفتاح السحري لكل نفس ارادت ان تنال نصيبا من الدنيا فلم تجد لها مسلكا الا استرضاء الاخرين واستعطافهم. والمعلش كلمة اقرب الى الاستعطاف منها الى الاعتذار، برغم ان استخدام الكلمة ياتي في الحالين. واسوأ ما في هذه الكلمة اذا قيلت لك انها تضعك في موقف صعب ، اما ان ترفض طلب صاحبها ويغضب منك او انك تنفذ طلبه على مضض. وفي كلتا الحالتين لا تؤدي ما عليك بنفس صافية. فاما ان تخسر نفسك او تخسر صديق. وبما اننا لا نعي الفرق بين الهزل والجد والعمل والراحة ، اصبحت حياتنا عبارة عن تمثيلية من الكد والجد والعرق والكفاح . وبرغم كل مظاهر الشقاء التي تعلو الوجوه فان الخسران يكون النتيجة الحتمية لهذه التمثيلية الفجة التي لا يكون للاتقان فيها مكان .
العجيبة الثالثة في سلسلة العجائب كلمة ( الله ينور ) ، وهي كلمة تقال لك عادة بعد ان تكون انجزت عملا باتقان. وقد تبدو للوهلة الاولى انها كلمة تشجيعية وقد يكون لها تاثير لحظي علينا فيملؤنا السرور والانتشاء عند سماعها. ولكن بعد زوال تأثيرها المخدر والرجوع الى عالم الواقع تكتشف انك قد وقعت ضحية جريمة نصب. فالامور لا تسير هكذا. فانت قد قمت بعمل تستحق عليه اجرا ولكن صاحب العمل آثر ان يخدعك ويأكل نصيبك من الدنيا. فانت عندها تقف متحيرا ، هل تطالبه بقيمة ما فعلته ام انك ترضى بالله ينور وتسكت وتضرس الحصرم وتذهب. والموقف هذا يخضع للقياس عادة ، فاذا كان صاحب العمل من الاشقياء والاقوياء كان عليك حساب قوتك امام قوته حتى لا تخسر الجلد والسقط. واذا كان من الاتقياء الاوفياء ، للزم عليك حينها ان تبادره وتفاجئه بطلبك وتاخذ منه حقك سريعا قبل ان يفيق من ترنحه امامك. لان الحق هذه الايام لا يعطى ولكنه يؤخذ عنوة.
العجيبة الرابعة هي  ( الطناش ) ، بمعنى انك قد تكون اسلفت رجلا قيمة من المال فيأخذها ( ادي وش الضيف ) ولا تراه مجددا. وعندما تبحث عنه لتطلب مالك فيأتيك باعذار الدنيا والاخرة. والادهى من هذا هو انه يظل يردد على مسامعك ان الدنيا مقفلة في وجهه ولا يوجد ثغرة ينفذ منها. فتظل على هذه الفترة غير قادر على الحصول على مالك. وبعد مرور الزمان الذي يقارب السنين تجد نفسك امام موقفين لا ثالث لهما ، اما ان تنسى وتستعوض ربك في المال او يظل عندك الامل في رجوع مالك المفقود. وبعد هذه التجربة المريرة تدرك ان النصب له اشكال عديدة وليس دائما يأتيك في مظهر شيك. فقد تنخدع في اقرب الاقربين او اكثر المحبين وبالتالي يجب ان توطن نفسك لمثل هذه الامور الخادعة. فانت هالك لا محالة وواقع في شرك الاستحالة.
العجيبة الخامسة  هي ( العيسوي ) والعيسوي هذا هو الشخصية التي تفعل فيها المعروف فيطعنك في ظهرك. بمعنى اكثر دقة ، ( خير تعمل شر تلقى ) . وسبب ذلك لانه اكتشف ان مصلحته قد تضاربت مع مصالحك . فآثر نفسه دونك ولم يحب لاخيه ما يحب لنفسه. وبرغم كثرة الصلاة والزبيب الذي يعلو الجباه ، الا انه لم يحسب لخطوته حساب ولم يدرك ان الله لدعوة المظلوم مستجاب. ونحن لا نلوم هذه الشخصية لانها موجودة بكثافة ونعرف الاعيبها وفنون ادائها ولكن عفتنا منعتنا من ان نرد الصاع صاعين ونرمي بالقوس على مد الذراعين. فهنيئا لك ما حزت من السيئات وهنيئا لنا على صبرنا والحسنات.
العجيبة السادسة هي ( التعريض ) بسكون الصاد !! وهي صفة موجودة في البشر وفي ازدياد مستمر. تراها في عيون القوم وافعالهم. وهي وان كانت ظاهرة فيهم الا انهم لا يدركونها ولا يعوون انهم يفعلونها. فاذا فاجأتهم واخبرتهم بعلتهم تجدهم يبعدون عن انفسهم شبهتها ويتهمونك بأنك انت الفاعل وانك تحقد عليهم لانك لاتستطيع ان تتمكن كما تمكنوا وان تنال الحسنى كما احسنوا. فتقع بين شقي الرحى ، اما ان تفعل مثلهم وتكون من الحظوة ، او انك تنأى بنفسك عنها وتخسر كل شئ. ولكن للامر بعد اخر ، وهو ان ليس كل الناس لديها القدرة على التعريض. لانه صفة بشرية نولد بها وليس صفة مكتسبة. فهي وان كانت تتطلب الكياسة والفطنة الا ان الانسان الذي يعيش بفطرته ويظن ان الحق احق ان يتبع يخطئ دائما في تقدير المواقف التي تتطلب بعض من هذا التعريض. فان العمل وحده لم يعد السبب في رفع شأن الانسان ولكن المداراة وحسن المجاراة هما المسيطران وهما الفاعلان المؤثران في شأن القوم الان. لذلك ان اردت ان تنال الحسنيين فما عليك الا ان تتبع خطوهم وان تتعلم منهم كل دأبهم.
اما العجيبة السابعة والاخيرة هي ( الهنداوي ) . والهنداوي هذا هو الانسان الذي يعتقد ان اي شئ يقع تحت يده هو حق مكتسب. فاذا وجد مال لم يبحث عن صاحبه ، وان اراد شيئا اخذه غصبا بدون السؤال او الاستئذان . فاذا واجهته وعاتبته فانه يضيق ذرعا بكلامك ويتعجب منك ويسألك كيف تلومه وانتم جيران او اصدقاء. ثم لا يلبث ان يسرد اليك حق الجار او الصديق وكيف ان النبي وصى على سابع جار. ولم يسأل نفسه ابدا او يشك انه على خطأ وانه يتخطى حدوده ولا يستأذن ولم يخبرك ما يقوم بفعله ولا يعتبر انك موجود وانك صاحب الشأن. فان هذا الانسان لهو اشر البشر فهو لا يتوانى عن فعل الخبيث برغم صلاته ولا يقيم للحدود وزن رغم ابتهالاته. وهو اقرب الى الحيوان منه الى الانسان.
ما فات هو سرد لعجائب البشر السبع القديمة ولنا حلقة اخرى لسرد عجائب البشر السبع الجديدة ...
فالى اللقاء في الحلقة القادمة.


      

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية