الآم الجريح


ارادت مني ان اكتب ، وها انا اكتب . على رأي الحاج مرسي .
تريد ان تعرف ، تريد ان تقرأ ، تريد ان تتغير حياتها كما اتمنى لي ولها ، ولكن هل لنا ان نحقق كل ما نريد؟؟ وهل يظل الامل يقض مضاجعنا ويجعلنا دائما وابدا نبحث عن مخرج لتحقيقه ؟ اين نقف من ايامنا واين نجد مبتغانا وهل يحقق لنا الله ما نريد بمجرد الدعاء ؟؟ انه قال لنا ان ندعوه ، ونحن لا ننفك ندعوه ولكن قد نستيأس من عدم تحقيق المطلب الذي رفعنا له ايدينا . نعم ، قد نفقد الامل ونيأس ولكن يظل بداخلنا بذرة تريد ان تكبر ولا يهم مقدار ما نعانيه من الآم . هذه البذرة هي بذرة الانسان القابع في مكنونات النفس التي خلقها الله ، البذرة التي كانت ولا زالت تريد ان يتحقق لها كل ما خلقنا من اجله ، انها السعادة..
القصة التي انا بصدد كتابتها ، هي قصة حقيقية  رواها لي صديق عزيز. هي قصة الآم انسان وما اكثرها هذه الايام.
انها فتاة ، تبلغ من العمر الثامنة والثلاثون عاما وتعمل مدرسة لغة انجليزية . متوسطة الجمال وعلى قدر ميسور من الحال . تقدم لها الكثير من الخطاب ولكنها كانت ترفضهم لنواقص فيهم . لعمري ، ما من انسان كامل !!
وفي يوم من الايام شعرت بوجود ورم في ثديها ، فارتابت في الامر وقررت الذهاب للكشف عن هذا الورم . وبعد فحوصات وتحليلات ، جاءها الخبر كالصاعقة ونزل على رأسها كمطرقة . وفعلا تأكدت شكوكها وكان الحل هو ازالة الثدي الايسر . وما كان منها الا ان دعت الله ان يخفف عنها ما هي فيه من الام وان يهون عليها الامر . وبينما هي في غرفتها وقبل اجراء العملية تذكرت انها لم تتزوج بعد وانها تتمنى من كل قلبها ان يرزقها الله بطفل . ولكن كيف يتم ذلك ومن سيوافق على الزواج منها وهي بحالتها تلك . ومن سيقبل انسانة مصابة بمثل هذا المرض والذي لا يعلم احد الا الله هل ستشفى منه ام لا .
وفي لحظة من لحظات التفكير القاتل ، جاءتها فكرة ، وهي ان تأخذ بويضاتها وتحتفظ بهم في احدى بنوك حفظ البويضات ومن ثم تستطيع استخدامهم في عملية طفل الانابيب اذا وجدت الزوج الذي يقبل بها. وارادت حفظ بويضاتها قبل ان تتم عملية الاستئصال واستخدام العلاج الكيميائي . لانه كما هو معروف لا يمكن ان تلد وهي تأخذ هذا العلاج . وفعلا استطاعت التوصل الى احد مراكز حفظ البويضات وخضعت لعملية لسحب بعض منها وتخزينها في ثلاجات الحفظ .
ولكن جاء الجزء الصعب ، وهي محاولة العثور على زوج يقبل ان يتزوجها فقط على الورق . بمعنى انها تريد ورقة زواج وورقة طلاق وبعضا من حيواناته المنوية . انها فقط تتمنى ان تصبح اما . تريد ان تجد من يواسها في مأساتها . تريد ان يرحمها الله وان يغفر لها وان يعفو عنها ويخفف احمالها . كان شيطانها يدفعها للتذمر ويجعلها تتسائل ، لماذا انا بالذات . لماذا اصابها الله بهذا الداء وهي لم تستمتع بمتع الدنيا بعد. لماذا اختصها الله دون عن العالمين بهذا المرض العضال. كانت تبكي بين الحين والاخر ولا تجد وسيلة للتخلص مما هي فيه . ولولا قدر من الايمان في قلبها كانت اقدمت على الانتحار . فهي المؤمنة بقضاء الله وقدره . الطامعة في ان يعجل الله من شفائها وان يدخل السرور الى قلبها ما بقى لها من الحياة ..
ما اصعب مآسي الانسان وما اكثر التنازلات التي يقدمها في لحظات ضعفه ، هذا الانسان الذي كان يزلزل الارض في لحظات قوته ، هو نفس الانسان الذي تكالبت عليه الهموم ولم يعد لديه القدرة على البوح بما يؤلمه. انه اختبار الحياة الذي نمر به جميعا . الابتلاء الذي يحدده الله لكل انسان . الفتنة التي يختبر بها الله معدن الانسان . فهل لدينا القدرة على التحمل ؟؟ وهل لدينا القدرة على الصمود ؟؟ لم اعد ادري....
   


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية