الشكوى لغير الله مذلة



كان هناك حديث دائر بين صديقين وكنت ثالثهما وعادة لايشغلني أي حديث الا في حالة موافقته للحالة المزاجية التي اكون عليها في تلكم الفترة وايضا اذا كان من النوع الذي يستهويني والذي يحتوي على بعض النقاط التي تدور برأسي بين الحين والاخر.
أما موضوع النقاش الذي جعلني اهتم بما يقال فإنه كان عن شخصية هلامية تعيش بيننا أو بمعنى أدق فإنه كان حوار غيبة في حق هذه الشخصية وما ادرااك ما الغيبة عندما يتحول الخوف من درأ الظلم ومواجهة الظالم الى مارد لانستطيع الاقتراب منه او دفعه أو مواجهته ولو حتى بالكلمة وينمو هذا المارد أكثر فأكثر الى ان يتحول الخوف الى رد الفعل الطبيعي لنا وتتحول الطمأنينية بداخلنا الى إستثناء.أما الحوار في حد ذاته فكان عبارة عن شكوى وتناجي بين الاثنين مما تفعله هذه الشخصية الهلامية معهما. وما كان الحديث الاعبارة عن شتائم وسباب وبذاءات يخرجون بها ما بداخلهم من غل وضيق لانهم وإن استعظمت اجسادهم تراهم وقد إضمحلت قلوبهم وطالها الضعف والوهن.وصدق رسول الله حيث قال" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"
وقد تعجبت كثيرا مما قالوا فإنهم يحملون في صدورهم كثيرا من الكره الذي يعود عليهم بالضغط النفسي والعصبي ومع ذلك لايستطيعون اخراج ما في جعبتهم لهذه الشخصية حتى يستريحوا في حلهم وترحالهم وحياتهم. ولكني اراهم صامتين خانعين مستسلمين الى قضاء الله وقدره كما يقولون وكأن الله فرض عليهم الذلة والمسكنة. وعندما تسألهم السؤال البديهي لماذا لاتشتكون يكون الرد الجاهز دائما الا وهو"الشكوى لغير الله مذلة" وكأن المذلة لم تطالنا ابدا ولم نراها في حياتنا مع اننا - وهذا المضحك المبكي - لم نتربى الا عليها ولم نذق غيرها على مرالايام والسنون.
ان اكثر ما يلفت النظر في هذا الموضوع هو حالة البؤس واليأس التي اصابتنا في مقتل للدرجة التي تجعل مجرد الشكوى – وهذا اضعف الايمان – ضد من ظلمنا هو حلم بعيد المنال.
وقد استوقفتني هذه النقطة كثيرا وجعلتني افكر واستبصر واحاول ان اجد الاجابة الشافية للسؤال التالي "لماذا وصلنا لهذه الحالة من اليأس والذل في مواجهة الظلم والظالمين؟ ولماذا لانستطيع الشكوى؟"
إن الاجابة عن هذا السؤال لها بعدين. أما البعد الاول فهو بعد نفسي داخلنا وأما البعد الاخر فهو بعد ديني نابع من المفهوم العقائدي لدينا.
عند التحليل البسيط للجزء الاول وهو البعد النفسي تجد اننا تربينا تربية خاطئة منذ الصغر عند التعامل مع المواقف التي تستدعي رد الفعل. أو ان مفهوم رد الفعل لدينا مختلف كليا عن مفهوم رد الفعل الطبيعي الذي كان يجب ان نكون عليه’ ودعنا نتطرق قليلا الى شرح رد الفعل لدينا حتى يتسنى لنا ان نستوضح المقصود العملي لرد الفعل الطبيعي.
من البداية نحن نعلم ان لكل فعل رد فعل.أي ان لكل منا رد فعل طبيعي لما نتعرض له في الحياة سواء كان خيرا أم شرا ولكل منا ايضا فعل يضاد ويعاكس رد الفعل. ولا يمكن أن يتساوى الاثنان بداخلنا لان المواقف التي نواجهها يختلف التفاعل معها من ان الى اخر.
المشكلة الرئيسية في ردود افعالنا اننا ننتظر دائما ونتردد كثيرا في اتخاذ القرارات المصيرية بل القرارات العادية في احايين كثيرة. وهذا نابع من التربية الخاطئة التي كبرنا عليها حتي انك تسمع الى الان بعض الكلمات التي يجب أن تمحى من قاموس اللغة لدينا مثل" إمشي جنب الحيط’ اللى يضربك إضربه(دائما وابدا ننتظر الضربة الاولى ولا نبدأ أبدا نحن بهذه الضربة) ’ مالكش دعوة بحد" هذه الكلمات برغم بساطتها وسهولة نطقها فإنها لاتقل خطورة عن مشرط الجراح الذي يمكن ان يداوى بقدر ما يميت. إن هذه الكلمات انما تقتل عقول وادمغة وتستأصل كرامة الانسان تماما وتجعله دائما في حالة انتظار الفعل لكي يرد عليه بهذه الطرق. هذه الكلمات تعلمنا السلبية واللامبالاة والخنوع والضعف وقل الحيلة ولايجب ابدا ان ننطق بها امام ابنائنا لاننا نزرع فيهم ما نحن نعاني منه وبدون أن نشعر او نعلم. يجب ان نعلم ابنائنا الشجاعة والاقدام وبدل ان نقول لهم "اللى يضربك اضربه" نقول له " اللى يضايقك اضربه" وخليك قوي وما تضعفش امام الازمات ونعلمه ايضا تحمل المسئولية وحب المواجهة.
السبب الديني الذي يجعلنا على هذه الحالة هو ركوننا الى عامل الصبر الذي حض عليه الله سبحانه وتعالى مع ان الله امرنا بالصبر على الابتلاء الذي انزله علينا ولم يأمرنا بالصبر على الابتلاء الذي اوقعنا فيه انفسنا بانفسنا. وايضا بتسليمنا الاعمى الذي يقول ان الله سيرفع عنا البلاء بمجرد اننا مؤمنين مع ان الله امرنا بالدفاع عن انفسنا واعراضنا واكثر ماتلاحظه يوم الجمعة في خطب المساجد الا وهي الدعوة التي يطلقوها على ابناء القردة والخنازير وهم اليهود ناقضوا العهود وكأن الله منتظر دعوانا لكي يحققها لنا ونحن جالسون.وفعلنا كما فعل بنوا إسرائيل مع نبي الله موسى حين امرهم بالجهاد فإستكانوا ولم يذهبوا للحرب وقالوا لموسى اذهب انت وربك فقاتلا ان ها هنا قاعدون.
ان هذه صورة بسيطة جدا لما نحن عليه للاسف الشديد وقلما تجد بيننا انسان قوي وهذا ينعكس على جميع قراراتنا في الحياة. وهذا ايضا يجعل الظالم يزداد ظلما والضعيف يزداد ضعفا ولكن ليس لان الله ابتلانا بهذا الظالم ولكن نحن الذين ظلمنا انفسنا وإستمرءنا الذل والهوان.

"ربنا لاتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا"


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية