تمخض الايمان فولد كفرا


كعادتي كل يوم جمعة اذهب الى الصلاة وانا مهيأ نفسيا لصدمة جديدة من صدمات خطبة الجمعة التي تذاع من على المنبر. أذهب قبل الاذان في بعض الاحيان وبعده في أحايين أخرى. ينتابني شعور بانه لايهم كثيرا ان فاتني جزء من الخطبة لانها لن تقدم أو تؤخر. فكل ما يقولوه هو نسخة مكررة من الخطبة الفائتة مع اضافة بعض الكلمات القليلة هنا او هناك لزوم التحبيشة. قلما أنصت الى مايقولون حتى لايرتفع ضغط دمي واصاب بامراض عسى الله ان يرحمنا منها. ولكنها ارادة الله قدر لي ان انصت الى الخطبة اليوم ولا اعرف لماذا. ادركت حينها انني لن اقوم منها الا وانا محملا بهموم الدنيا وما فيها من متاعب. تنحنح الخطيب كعادته وبدأ في توسيع حنجرته لكي يخرج مافي حلقومه وخيشومه. أطرقت رأسي اليه لأعرف ماذا سيقول. الموضوع كان موضوع الساعة وهو نصرة اخواننا في غزة وطبعا مع بعض الزعيق والنعيق- الشئ لزوم الشئ- لكي يفتح مداركنا ويستفتح مغاليق عقولنا وكأننا لانعلم من الامر شيئا. وللخطبة كما تعلمون لها بداية وموضوع ونهاية. لم انصت للبداية كثيرا لانني اريد ان اعلم ماسيقوله في نهايتها فهذا هو مايهمني ويهم كافة المسلمين. تماما كما تقرأ رواية وتأتي عند اخر ثلاث صفحات لتعلم ما هي نهايتها- وكفى الله المؤمنين شر القتال- المهم انه بدأ في قول ان المؤمن اخو المؤمن وانه واجب عليه نصرته واتى بحديث من هنا وآية من هناك لكي يدعم ما يقوله وكاننا اول مرة نسمع هذا الكلام ولكنه التكرار الذي يعلم ال...... نظرت خلفي لكي أتاكد من عدم وجود دليل ال...... وباني لست المقصود من هذا الكلام. انتظرت هنيهة ثم اخرى الى ان اقتربت ساعة الصفر (وجاءت سكرة الموت ذلك ماكنت منه تحيد). لم نظفر بشئ الا اللهم من بعض الدعاء لاخواننا في غزة وبعض المساعدات التي ممكن ان نرسلوها اليهم وبهذا نكون قد برئنا من دمهم. ثم بدأ بالدعاء لهم لنصرتهم ورفع المعاناة عن كاهلهم.
وهكذا انتهى المشهد الايماني بكل هالاته ولم نخرج منه الا بالغداء الساخن الموجود في البيت. مع وعد مني باني سوف ازور المسجد الجمعة القادمة ان اطال الله عمرنا باذن الله مع خالص حبي واشواقي.
هكذا كانت البداية والنهاية. عمرك شوفت اجمل من كده؟
لو كنت تسير في الطريق ولفت نظرك اثنين يتشاجران ماذا ستفعل؟ الامر المرجح انك سوف تتدخل لتفض ما شجر بينهم. وان حاول احدهم التطاول اكثر ماذا ستفعل؟ الوارد انك سوف تتدخل بقوتك لتنهي هذا الصراع. هذا هو المعقول.
وان كنت تسير ورايت احدا يستنجد بك ماذا ستفعل؟ في حالتنا هذه هناك احتمالان. اما ان تاخذك الشجاعة وتقتحم الصعاب وتفعل ما يأمرك به الاسلام. او انك تأخذ بنصيحة شيوخ وعلماء المسلمين اليوم وتقف لاتحرك ساكنا وتدعو له بان الله ينصره على اعدائه. وبعد ما يطّحن تروح تجبله بطانية وشوية ادوية ويا حبذا لو شوية شوربة بالبهاريز معاهم.
الم يكن من الاجدى ان توقف نزيف مصاب وتقفل له جرحه قبل ان تنقل اليه الدماء؟
ان اخواننا في غزة لايريدون اكياس دماء بقدر عوزهم غلق النزيف مسبقا فدمائهم تكفيهم. ومساعدتنا لهم لاتكون بالبطاطين والادوية ولكنها بالسلاح والحرب معهم. هكذا يكون العون الذي اراده الله لنصرة بعضنا بعضا. ولن ينفع دعائنا لهم ولن يستجاب لنا. لان الله يريد ان يرينا انفسنا ويكشف عوراتنا ويبين لنا كم نحن في ذل وهوان.
ولا تحسبن انفسكم بعيدة كل البعد عن الاحداث فان الدائرة تدور ولا تترك احدا الا ومسته. اليوم لك وغدا عليك. ولايحسبن هؤلاء الشيوخ والعظماء ان ايديهم نظيفة فانهم ملوثون دون غيرهم بدماء الاطفال والمسلمين جميعا. وليعلم كل من له عقل بان عذاب الله شديد وقريب.
( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )
سورة آل عمران:169
ولن اورد الكثير من الامثلة من القرأن والسنة لاثبات كلامي او دحض الرأي الاخر ولا يصح ابدا ان تطغى فيه المصالح الشخصية على حساب اوامر الله ونواهيه فان امر الله نافذ فينا ان لم نفعل ما يؤمر به او نافذ فيهم بان يرحمهم ويرفع عنهم البلاء. واذا رفع الله عنهم البلاء فذلك رحمة منه ورضوانه ولا يجب ابدا ان نصدق انفسنا بان الله استجاب لدعائنا. لانني اعتقد ان دعائنا لا يرتفع بأي حال من الاحوال اعلى من مستوى رؤوسنا اذا كان لنا رأس.
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)الحجرات.
في هذه الاية يحض الله المسلمين على قتال الفئة الباغية فما بالك بغير المسلمين؟
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } النحل 126
(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) البقرة(194)
هذا هو امر الله لنا لم يأمرنا بنصرة اخواننا بمجرد الدعاء ولكنه قال لنا صراحة بان نجاهد بانفسنا وان ناخذ حقنا بايدينا والدعاء لايأتي الا من المضروب وهم في حالتنا هذه هم اهل غزة هم فقط المعنيون بالدعاء اما نحن فمعنيون بالمساعدة وتلبية النداء ومساعدتهم في القتال وليس مساعدتهم على ان يشربوا الشوربة بالمعلقة!!!
وحسبنا ماقاله رسول الله (ص) يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ

الى هذه الدرجة انتم جبناء؟ الى هذه الدرجة انتم أذلاء؟ ان الدنيا لاترضى بامثالكم ولا الاخرة. فالاسلام لايفرحه انكم مسلمون فالموت لكم ولامثالكم. عسى الله ان يأتي بقوم يعرفوا ما هو الاسلام ويكونوا عونا له ولعزته. فكفاكم نهي عن الدعوة للقتال وكفاكم هدنة وقوموا لشرفكم وعزتكم واتركوا استخفافكم بدين الله ولاتشتروا بآياته ثمنا قليلا فيتمخض ايمانكم ويلد كفرا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية