الموت


من منا لم تتطرق اليه فكرة الموت ولو للحظة واحدة في مخيلته على مر أيامه؟ أكيد جاءتنا هذه الفكرة وأحيانا تترآى لنا في موقف من المواقف أثناء حياتنا. فكل منا تأتيه هذه الفكرة من آن الى آخر. فبعضنا يتوقف عندها لكي يأخذ منها العبر وبعضنا لايتجشم عناء النظر فيها وكأنها غير موجودة والبعض الاخر ينظر اليها بعين الرهبة والخوف. ولكن قليل منا من نظر اليها نظرة تفكير وتأمل! نعم ان الموت في ظاهره صورة لم تتضح معالمها الينا لانها لو اتضحت سنكون حينها في عداد الاموات ولن يخبرنا احد عن شكلها او كنهها ولا حتى شعورنا أثنائها. لذلك فان النظرة منا الى الموت هي نظرة سطحية لاتمكننا من ان نقف على الموت في حقيقته. فالموت هو المجهول بعينه بالنسبة الينا . فلا يمكن باي حال من الاحوال ان نتحدث عنه الا بمقدار الوعظ والاعتبار. أما اذا حاولنا ان نلقي بعض الضوء عن الموت او كيفية حدوثه فاننا ساعئتذ سنخوض في غمار التكهنات والاقاويل والتي لاترقى باي حال عن التنبؤ بالمجهول.
فهناك اسئلة عويصة تلح علي بين الفينه والاخرى الا وهي:
اذا كان لنا آجالا محددة في علم الغيب واذا كان لكل سبب مسبب ولكل علة معلول فكيف نموت اثناء الحوادث العارضة؟
اي انك اذا كنت تركب إحدى السيارات وكان معك إحدى الاصدقاء ثم إنحرفت السيارة وإنقلبت رأسا على عقب فكيف يموت صديقك وتحيا أنت وتخرج من الحادثة سليم معافي؟ بمعنى أدق هل دبر الله الحادثة حتى تكون السبب في موت صديقك؟ هل تدخلت الملائكة وأطاحت بعجلة القيادة حتى تنقلب السيارة ويكون الموت عندها تحصيل حاصل؟ واذا كان الله قادر على كل شئ فلماذا لا يقبض أرواح العباد بدون حوادث كما يحدث احيانا ويموت أحدهم وهو نائم؟ واذا كان لكل موت سبب – تعددت الاسباب والموت واحد – فهل خلْقُ الاسباب هو إقرار مباشر من الله بأن لكل شئ سبب حتى نتعلم في حياتنا؟ واذا لو لم يركب صديقك السيارة معك فهل يهرب حينها من الموت المحقق له؟ واذا كان الموت هو علم عند الله فهل علم الله يحتوي سجل تحركات جميع الخلق؟ واذا كان علم الله يحتوي على سجل شامل لتحركاتنا في الحياة الدنيا فهل عشنا هذه الحياة سابقا حتى يعلمها الله مسبقاً بمعنى ان الحياة تكرر نفسها؟؟؟؟؟؟؟؟
إني أقول والعهدة على الراوي إما أن علم الله جاء من العلم المسبق. أي أن الله إطلع مسبقا على كافة الاحداث التي نمر بها وإننا بالتالي عشنا هذه الحياة مسبقا بكل أحداثها وتفصيلها الدقيقة وما يحدث الان هو صورة طبق الاصل للحياة التي مررنا بها من قبل. هذا من ناحية أما من ناحية اخرى ، أن الله يقبض أرواح العباد في الميعاد المسجل لها فقط إن لم تقع لهم واقعة تقصف عمرهم خلال حياتهم الدنيا .
معنى هذا الكلام ان الدنيا التي نحياها يمكن ان نتحكم فيما يصيبنا من مصائب وهذا جزء من الاختيار الواقع علينا . والمصائب التي نقع فيها هي مما كسبت ايدينا وبالتالي فالحوادث التي تقع لنا هي جزء لايتجزأ من اختيارنا الدنيوي الحتمي. ولكي ادلل على هذا ، هناك حوادث كثيرة وقعت في الازمان الغابرة قد ذكر الله عنها في كتابه العزيز . ومن اشهرهم واقعة قوم سيدنا يونس عندما دعا قومه لعبادة الله فأبوا فانصرف عنهم بدون الرجوع لأمر ربه فالتقمه الحوت ولكنه بعد ان ترك قومه آمنوا به"
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)يونس. في هذه الحادثة بالذات كان الله سيوقع بهم العذاب ولكنهم تراجعوا عن موقفهم الاول فرفع الله عنهم العذاب الواقع. اذاً يد الله ليست مغلولة كما قال اليهود ولكنها مبسوطة يغير من الاحداث الواقعة كيفما يشاء وبالتالي فله القدرة سبحانه على تغيير مجرى الاحداث وقتما يشاء. بمعنى اخر ، يمكن ان يكون العباد لهم اعمار مكتوبة ولكن الله يستطيع ان يقبض ارواحنا وقتما يشاء ايضا وبالتالي قد ينقص عمرنا في الدنيا عن المكتوب عند الله اذا اراد الله اتمام ذلك!!
وبناء عليه قد تتدخل الظروف والحوادث الواقعة علينا في الدنيا فتقلل من عمرنا المفروض والمكتوب الا من رحم ربي. وعليه قد تقع الحوادث لنا بين الحين والاخر ولكننا اذا اتخذنا الحذر والحيطة قد ننجو منها ونموت كما قدر لنا ان نموت!!!!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية