قضية العقل

لم ازل مترددا في الصلاة طيلة هذا العمر حتى هداني الله الى الصلاة والايمان به. كنت اصلي يوما وانقطع اياما . لم يكن يعنيني من امر الصلاة شئ حتى كدت اشك في نفسي واشك في وجود الله. لانني لم اشعر يوما بوجود الله او احس به . فكيف افعل شئ اتقرب به الى الله وانا لااشعر به او احس بوجوده؟ ما بال كل هذا الجدل الذي يدور لاثبات وجود الله الى الان؟ لماذا كل هذا القيل والقال عن الايمان بالله والتسليم بوجوده؟ هل لازلنا لانؤمن بان الله موجود حتى بعد وجود كل هذه الاديان والكتب؟ اذا هناك عيب او خلل اما في وجودنا او في وجود كل هذه الاديان. لماذا كل هذه الفرقة والتفرقة بين الاديان وبعضها؟ كيف لي ان احكم بان هذا الدين صادق وهذا الدين باطل؟ من اين لي ان اعرف بان المسيحية افضل من الاسلام او ان الاسلام افضل من المسيحية؟ من اين لي ان اعرف بان الله سوف يدخل المسلمين وحدهم الى الجنة؟ لماذا كل هذا الاختلاف بين الاديان وبعضها؟ هل صديقي المسيحي الاذكى مني والاعقل لايدرك بان القران افضل من الانجيل؟ – هكذا خيل الي- ماهو الحكم بين اعتقادنا بان الاسلام افضل من المسيحية او ان اليهودية افضل من المسيحية؟ كل هذه الاسئلة كانت تدور في راسي بين الحين والاخر حتى كدت ان اجن من كثرة التفكير. كنت احاول مرارا وتكرارا بالتفكير في وجود الله والاحساس به عن طريق الكتب المنزلة والكتب التي تتحدث عن معجزات الله في خلقه وفي الدنيا. كنت لا استطيع الصلاة لمجرد انني متعود عليها للدرجة التي دفعتني الى ان اسال نفسي ، هل الله سيقبل صلاتي لمجرد انني متعود عليها؟ فاذا قبلها فما معنى ايماني به؟ اي انني اذا كنت اؤدي صلاتي تعودا بدون ايمان بها وتقبلها الله فهذا معناه هدم لقضية الايمان بالله تماما. فاذا اردنا ان نضرب مثلا بانني اريد ان انجح في امتحان معين فيجب علي اولا ان اذاكر جاهدا لكي انجح. ولكي اذاكر جاهدا ، فهذا معناه انني اؤمن اشد الايمان بوجود الامتحان . فاذا كنت اعلم مسبقا بان الامتحان غير موجود من الاساس . فهذا سيدفعني الى عدم المذاكرة من الاساس. ان قضية الايمان بالله هي الحكم والفيصل في كل ما نؤديه من صلوات وعبادات . لذلك فمانفعله من حركات اثناء الصلاة ماهي الا تمثيلية نؤديها ان لم نكن نؤمن بالله اولا .
ذلك التفكير دفعني للبحث المضني عن كيفية الايمان بالله والوصول للمعرفة الحقة والتي تنجيني من عذاب يوم القيامة. بالاضافة الى محاولة فهم الاختلاف بين الناس في المعتقدات الايمانية . ومن هو الدين الحق في كل هذا.
كنت اسال نفسي دوما سؤال الا وهو ، كيف يقتنع صديقي المسيحي بان صلواته في الكنيسة باطلة وان عدم ايمانه بمحمد سيدخله النار؟ وكيف لي ان اقنعه بدخول الاسلام؟ وما هي الادوات التي يجب ان اتحلى بها لاقناعه وتحويله الى مسلم؟ وما هو الدليل على صحة الاسلام وعدم صحة الاديان الاخرى؟
العقبة التي كانت تواجهني دائما هو انني كنت اريد دليلا ملموسلا لصحة دين من الاديان وعند البحث والتقصي وجدت في النهاية انه لايوجد اي دليل غير الذي بين ايدينا من الكتب السماوية ، سواء كان الانجيل او القرأن . هذه هي الادلة الوحيدة التي تقول ان الله موجود في السماوات العلى . اذا لايوجد اي اختلاف من ناحية المبدأ عن ان هناك رب في السماء فكيف الحكم والفصل بين الاديان؟ في البداية قادني البحث عن طريق المقارنات والمقاربات بين المضامين ان الاختلافات بسيطة، فلايمكن مقارنة النصوص لاختلاف اوجه الشبه كلية بين الكتب الدينية ، وفي النهاية وجدت بعض الاختلافات والتي لايمكن ان يقول فيها العقل كلمته الاخيرة لدين على حساب دين اخر . فالانسان مهما بلغ واوتي من قوة العقل والتفكير ، مستحيل عليه ان يجزم بصدق دليل من الدلائل بسبب نقص في تركيبه ساورده لاحقا.
ان الله سبحانه وتعالى عندما خلق العقل ، خلقه لكي نتعلم به ونستنبط الادلة المادية التي يمكن ان نحس بها او نتفاعل معها اذا كانت غير مرئية. والعقل ايضا لايصدق الامايراه ويسمعه . فاذا احضرنا قلما رصاص ووضعناه في اصيص زرع واحضرنا تلاميذ في مدرسة ابتدائية وقلنا لهم بان القلم الرصاص سيصبح شجرة ان رويناها. فماذا سيكون رد فعل هؤلاء التلاميذ؟ بالتاكيد سيسخرون منك ويضكون عليك بملئ شدقيهم . لانهم يعلمون تماما بان القلم صنعه انسان ولايمكن ان ينمو من تلقاء نفسه. وهذا الايمان اليقيني سببه انهم راوا الصانع بام اعينهم . واحب ان اورد هنا قول سيدنا ابراهيم عندما طلب من الله ان يرى عملية احياء الموتى فسأله الله بانه لم يؤمن بعد؟ فقال له ابراهيم انه امن ولكن لكي يطمئن قلبه . "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
سورة البقرة
لذلك فالعقل وحده غير قادر على التمييز بين مالايستطيع ان يدركه بحواسه . فلايمكن اقحام العقل في المقارنات بين دين واخر . لاننا لايمكن ان نجد عقل محض قادر على التمييز بين المتشابهات وقادر على استخلاص الغث من الثمين.
فالبلاء الذي وقعت فيه الامم السابقة كان بسبب محاولة استخدام عقولها في التعرف على الله . فمنهم من قال ارنا الله كقول بني اسرائيل : " وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)
ومنهم من قال" قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) الاعراف (قوم عاد)
لان هذه الامم غير قادرة على التعرف والتقرب الى الله الذي لاتراه ولاتحس بوجود. ولايمكن ان يسلم العقل بسهولة لفكرة ان الله موجود مهما توافرت الادلة على وجوده لان العقل لايراه او يسمعه او يحس به . هذا هو مربط الفرس في الموضوع ، فالله لايمكن ادراكه بالماديات والشواهد ولايمكن ادراكه بعقولنا. فالعقول خلقت للمنطق والاستدلال . العقول خلقت للعلم الدنيوي ولم تخلق للعلم الالهي . فالله لاتدركه الابصار ولكن تدركه القلوب التي في الصدور. اذا فطريق الهداية لاياتي من انسان لانسان ولكن طريق الهداية ياتي من الله . كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه :
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56 سورة القصص
فهداية انسان الى دين معين لاتاتي الا بامر الله سبحانه وتعالى . فانك لن تستطيع زحزحة انسان عن معتقداته ولو اوتيت ملئ الارض ادلة وشواهد لكي تستحث عقله . فالعقل كما قلنا للعلم الدنيوي اما القلب فهو لله. وكما قال احدهم ان العقل خلق للفلسفة اما القلب فخلق لله. فالبصر للعقل والبصيرة لله. اعوذ بالله ان يطمس على بصيرتنا.
وانه من سخريات القدر ان تجد بعض العلماء ممن افاء الله عليهم بعلم دنيوي ، تجدهم احرص الناس على شرح معجزات الله في الكون ، هذا الاسلوب في اثبات معجزات الله في الكون قد ياتي بنتائج عكسية. فلا يمكن ابدا تاويل الايات ولي معنى النص لكي نثبت حالة او واقعة .
لذلك يجب ان نحمد الله كثيرا على نعمة الاسلام . لان الله لو قدر لنا ان يخلقنا على ملة اخرى لانقلبنا على اعقبانا وتمادينا في غينا ودخلنا النار مع الداخلين. فالله قد قصر لنا المسافة المقطوعة وما علينا الا ان نسير الباقي بهديه. اما الملل الاخرى فطريقهم وعرة طويلة شاقة . لن ينجو منها الا كل ذو بصيرة وحكمة.
وفي الخاتمة احب ان ادعو الجميع الى التعايش السلمي وعدم النظر الى الاديان الاخرى بنظرة دونية او استعلاء . فان الله الذي من عليك بنعمة من النعم قادر على ازالة هذه النعمة . وكما قال رسول الله (ص)
صَحِبْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ فِتَنًا كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا ثُمَّ يُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا ثُمَّ يُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ أَقْوَامٌ خَلَاقَهُمْ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا يَسِيرٍ أَوْ بِعَرَضِ الدُّنْيَا
قَالَ الْحَسَنُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ صُوَرًا وَلَا عُقُولَ أَجْسَامًا وَلَا أَحْلَامَ فَرَاشَ نَارٍ وَذِبَّانَ طَمَعٍ يَغْدُونَ بِدِرْهَمَيْنِ وَيَرُوحُونَ بِدِرْهَمَيْنِ يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دَيْنَهُ بِثَمَنِ الْعَنْزِ.
اللهم لاتجعلنا منهم وثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة.

تعليقات

  1. حلوة أويي بجد بس الحديث الي في الاخر مش ظاهر ، ياريت توضحه و شكرا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية