تقبل الاخر ( الاخوان VS الشعب المصري )


سادت في الفترة الماضية وستسود فكرة ومقولة تقبل الاخر داخل مجتمعاتنا على الاخص. وذلك بسبب كثرة نقاط الخلاف الذي يدور حوله الجدل والنقاش. لذلك راينا ان نناقش فكرة تقبل الاخر حتى نستطيع التعايش معا – او الاقصاء-  للحد من الصراعات التي قد تقوم على مبدا الرفض.
وسنأخذ جزءا من الفكر المطروح والذي يدور حوله هذا الصراع ، وهو فكر الاخوان المسلمين وما تبنوه من فرض رأيهم السياسي مغلفا بفكرهم الايديولوجي او العكس بناء على المعركة التي يخوضوها. فان كانت معركة اثبات راي قدموا الفكر الايديولوجي اعتمادا على مبدأ المعصية او الثواب والعقاب. وان كانت المعركة على اثبات احقية ، قدموا الفكر السياسي عن سابقه. المهم ان الفكرين ملتبسين ولا تستطيع استخراج احدهما من الاخر لانهم يتلونون على حسب شدة المعركة وعلى حسب الارضية التي يحاربون عليها. فاحيانا يقحمون الله كواجهة واحيانا يقحمون القوة كرد فعل. وحتى لا ننساق بعيدا عن محتوى هذه الرسالة ، فلنا ان نعود الى تقصي مفهوم فكرة تقبل الاخر.
بادئ ذي بدئ لنا ان نتخذ المنطق لتفسير هذه الظاهرة والاشكالية التي تقوم عليها. فالحوار يمكن تلخيصه على مجموعة من الثوابت لكي يمكن تقييمه. اولا ، يجب ان يقوم الحوار على موضوع . ويجب ان يكون الموضوع ذو اهمية ( لن نناقش فكرة الاهمية لعدم الغوص في التفاصيل) . ولكي يقوم حوار تقبل الاخر ، اذن فهناك موضوع لم يتفق عليه جميع الاطراف.
ومن هنا يجب ان نركز على مضمون الحوار الذي لا يتفق عليه الاطراف او الفريقين. لان النتيجة التي يجب ان نتحصل عليها هو هل لنا ان نتقبل الاخر ام نقصيه من الدائرة تماما. وبالنظر الى مضمون الحوار الذي يطلقه الاخوان نجده من نوعية الحوارات النظرية التي لا تثبت التجربة العملية صحته او خطأه فهو يخضع للقياس. واذا كان القياس خاطئا فسيكون بالتالي الحوار خاطئ ولا يجب الاستمرار فيه لانه يصبح عبء ومضيعة للوقت.
فالاخوان ومن والاهم يلومون الاخرين على عدم الانصات لهم . ويحاولون جاهدين اثبات وجهة نظرهم باستخدام شعارات الديموقراطية وحقوق الانسان والشرعية ومبدأ المساواة وكل المصطلحات التي اوردتها كتب العلوم الانسانية والاجتماعية والسياسية والدينية. ولكن غاب عنهم ان الاشكالية التي تجعل معظم الناس لا تتقبلهم هو الخوف منهم. نعم الخوف منهم. وهذا هو ما جناه الاخوان من اجتذاب فئات بشرية لها تاريخ اسود للارهاب والقتل والتدمير. والتصقت بهم تهمة انهم يدعمون الارهاب. وهناك مئات المشاهدات لبشر تهدد وتتوعد من يقترب من شرعية الرئيس المعزول مرسي. لذلك فهم لم ينتبهوا الى ان استخدام لغة العنف لا يمكن ان تولد الخوف لدى الناس الى الابد ولكنها ستولد مشاعر العداء لهم ولن يرحمهم احد ان سقطوا . وهذا ما حدث بالفعل وسيظل يحدث طالما انتهجوا نفس الاسلوب الغبي في التعبير عن نواياهم. ومن هنا يتضح ان التهديد قد يؤثر في الناس على المدى القريب ولكنه سينقلب حتما الى كره يتبعه هجوم عليهم عند اول فرصة لذلك. وهذا ايضا ما حدث.
ولنا عند هذه النقطة ان نعود الى معنى تقبل الاخر التي يتشدق بها بعض الكتاب والصحفيين. فاذا كان الحوار من النوعية الجدلية والتي لا تثبت اي شئ له قيمة على ارض الواقع فليس له معنى مطلقا لكي اتقبل هذا الحوار. ولكي نضرب مثلا ، فاذا قلت لك ان الشمس تشرق من الغرب فلا يجب ابدا ان تتقبلني لانني انكر بالضرورة معلومة علمية صحيحة . ووجب عليك حينها اما لتصحيح ما اقول – الاسلوب الاقناعي – او الاسراع بوضعي داخل الحجز اذا حاولت التطاول عليك – اسلوب الاقصاء - . ومن هنا يتضح ان المعلومة العلمية لا يجب ابدا ان يختلف عليها اثنين ولا يصح فيها معنى تقبل الاخر. اما اذا كان الموضوع جدلي ، كنظرية الرأسمالية او الاشتراكية او الشيوعية فهنا قد نفسح المجال قليلا للاراء لانها لم تعد تدخل حيز المعلومة العلمية وبالتالي فالجدال فيها مسموح ولا يمكن اثبات صحة راي على راي الا اذا ثبت صحته على ارض الواقع مع مرور الزمن. ويجب ان نلتفت الى ان النظريات السياسية مثلا قد تصلح لبلد وتفشل في بلد اخر في نفس الزمن وذلك لاختلاف طبيعة البشر من مكان الى مكان واختلاف عقائدهم وطرق تفكيرهم. وبالتالي فلا يجب ان نتشدق بان الديموقراطية بكامل هيئتها تصح في كل مكان لسبب بسيط للغاية ، هو ان هناك انظمة شمولية كالصين مثلا ينجح فيها هذا النظام لتكيف الشعب الصيني عليه.
الامر الاخر في فكر الاخوان ، ان لهم عقائد فكرية وايديولوجية لا تنطبق على كل الناس. وبالتالي فهي تخصهم وحدهم ولن يستطيعوا تكييف الشعب المصري على منهجهم ونهجهم. فهم معزولون بحكم طبيعة تنظيمهم وبحكم تربية سرية تربوا عليها ولن يقبل معظم الشعب ذلك. وهم بما فعلوه في السنة الماضية دليل حجة عليهم انهم لم يكونوا يستمعون لاي فكر مناهض لهم. وبالتالي فلا يجب ان ينتحبوا على منهج هم نفسهم واضعي بذرته. هم من قسموا الشعب المصري وليس النظام الحالي. هم من تكالبوا على المناصب وهم من تدافعوا في استاد القاهرة لرؤية رئيسهم المعزول وهم من رحبوا به في ميدان التحرير وهم من التفوا حوله امام الاتحادية وهم من فتح قميصه عليهم وهم واقفين وهم من اعلنوا فوزه قبل ميعاد اعلان النتيجة النهائية. هم من فعلوا بنفسهم ذلك وليس احدا غيرهم وبالتالي فلا يجب ان يلوموا الا انفسهم.
وبعد ان خسر الاخوان كل شئ او كادوا ، يذرفون الدمع على ما فاتهم ويطالبون الجميع بتقبل الاخر. ولماذا علينا نحن ان نتقبلكم من بعد ان رفضتمونا؟  وكما تقول مناهكجم ، العين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلم.
النقطة الاخيرة التي نود بها الرد على الكتاب والصحفيين ، ان الاخوان ما هم الا منهج وفكر. وبما اننا نعرف منهجهم وفكرهم الان ، فلا يمكن ان نتقبل هذا الفكر. ففكرة الرفض لهم ليست لشخصهم بالتحديد وانما لفكرهم. ولا يجب الخلط بين الاثنين. فرضهم داخل المجتمع هو نتيجة لرفض طريقتهم في الحوار واسلوبهم في الكلام ومنهجهم في الفكر. ولا يمكن ان يكون هذا الفكر الذي يستقي منه الاخوان كل هذه العداوة ، هو الطريق الامثل لبناء دولة صحيحة قائمة على الديموقراطية كما يدعون. فالفكر الذي يحملونه قد انتهى وانمحى على مر العصور ويجب تغيره كما انهارت دعائم انظمة شمولية سابقة. فانهيار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق لم يكن سببا في انهيار الدولة . وما كان من الدولة الا ان غيرت النظام الاشتراكي الى نظام راسمالي يتوافق مع المعايير الجديدة. ولم تتمسك به حتى لا ينهار بنيان كل شئ. فالفكر الاخواني يجب ان يغيروه ان ارادوا الاستمرار في الحياة ويجب عليهم ان يتقبلوا الاخر ليس بمنظورهم وفكرهم وانما بمنظور الجديد. بمنظور العالم التطوري الذي لا يقف على منهج بشر ماتت منذ الاف السنين. ويجب عليهم ان يعلموا الا يقحموا الدين في السياسة لان السياسة لعبة ، اما الدين فهو رسالة قائمة بذاتها بداخل كل فرد يفهمها كيفما يشاء المهم الا يضر غيره.  
وبناء على كل ماسبق يتضح ان فكرة تقبل الاخر لا يمكن ان تتم الا اذا كان موضوع الحوار يمكن ان يتقبله الطرفان وليس طرف على حساب طرف. والواضح الى الان ان الخلاف موجود ولم ولن يقترب الاثنان قيد انملة من بعضهما. ويصبح عندها الحوار هو فرض راي مدعوما بقوة لتثبيت اركانه اي ان كان صاحب الراي فيهما. بمعنى ان الغلبة في النهاية ستكون لمن استطاع ان يقهر الاخر ويكون تقبل الراي ما هو الا استسلام من الطرف الضعيف. والواقع يؤكد ايضا ان الحوار ما هو الا واجهة الى طمع دنيوي ومناصب زائلة وبالتالي ففكرة تقبل الاخر ما هي الا عصا الساحر التي يريد بها الطرف المغلوب اقناع الغالب به.
وبما ان الحوار ما هو الا نقاش عقيم عديم القيمة لعدم جدواه في يد الغالب ، يصبح الاقصاء هو الضرورة لمحو الاخوان وليس الدخول معهم في مهاترات. لان جدالهم لن يقدم او يؤخر بما وصلنا اليه الى الان ولانهم ايضا لما يزالوا يمارسون فكرهم التخريبي ويحاولون جاهدين اعاقة مسيرة اي تقدم او تنمية يمكن ان تقود البلد الى الامام.
ومن هنا تكون النصيحة للجميع ، لا يمكن الحوار مع الاخوان ابدا لان منهجهم قائم اساسا على الخلاف مع الاخر. فلابد وابدا اقصائهم ان لم يغيروا منهجهم وطريقة تفكيرهم . وبما انهم جبلوا وتربوا على الاختلاف فلا يمكن ابدا ان نتقابل في اي نقطة حتى ولو من اول السطر..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية