إبن آدم


 



من اكثر الاحاديث المؤثرة في عقيدة المسلمين حديث مسلم عن ابي هريرة ،اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاثة ، صدقة جارية ، او علم ينتفع به ، او ولد صالح يدعو له.

هذا الحديث تقوم عليه بعض اهم افعال المسلمين التي تراها هنا وهناك ، سواء في محيط الاقارب وصولا الى وسائل الاعلام والميديا . وتتناقلها افواه الشيوخ واصحاب الدعوة القاصي منهم والداني . وبرغم مايحمله الحديث من المعاني القيمة والصفات الحميدة لكل من الفعل والفاعل والمفعول به الا ان المسلمين لم ينتبهوا انه يحمل اكثر من معنى ، اقربهم يخالف ما يعتقدوه. الا انهم تمسكوا بالمعنى البعيد والذي لا يمكن ان يتحقق اذا اسقطنا هذا المعنى على القران . فالسائد بينهم ان الشخص اذا مات تظل اعماله باقية تضيف اليه حسنات تسجل في كتابه والذي سيحاسب عليه في الاخرة. والحالة الاشهر لما نقول ، تجد احدهم يسافر عمرة او حج بنية اهداء حسنة هذا الحج او هذه العمرة لوالده او ولده  كانه يتبرع بحسنة هذه الشعيرة للميت .

يخالف هذا المعنى ما جاء في نصوص القران جملة وتفصيلا من حيث ان الانسان اذا مات انتهى عمله المأجور عليه. اي ان حسناته وسيئاته قد تم كتابتها واغلق هذا الملف لحين فتحه يوم الحساب. وفي سورة الاسراء ما يؤكد هذا الكلام " ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ، إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " . وفي سورة الانفطار " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ"

وفي سورة ق " ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد " . اي ان كل عمل ابن ادم سواء قول او فعل في الدنيا ، يسجل عليه لحين وفاته ولا يضاف اليه اي شئ بعد ذلك حتى يفتح هذا الكتاب يوم القيامة لحسابه.

ومعنى الحديث ان الانسان اذا ترك علما او صدقة كان يؤديها ، ستظل بالتاكيد باقية الى ان يشاء الله . ولكن لن يكافئه الله بعد مماته ولن يكتب له من الحسنات لمجرد ان ترك اثرا باقيا في الدنيا. فعمله قد اكتمل وصفحته قد طويت. انما سيظل يتذكره الناس كلما مروا او سعوا لصدقته او علمه. وسيظل ابنه يدعو له بالرحمة لو كان صالحا وهذا طبيعي ايضا سواء قاله ابو هريرة او لم يقله. فدعاء الانسان لشخص ميت بالرحمة او المغفرة ، لا يعني بالضرورة ان يرحمه الله او يغفر له ، فكل شئ يخضع لرحمة الله ومشيئته.

حتى ان هذا الانسان الذي يدعو لوالده بالرحمة في الدنيا ، سيكون مشغولا بنفسه يوم القيامة راجيا رحمة الله لنفسه فقط .ففي سورة عبس " يوم يفر المرء من اخيه ، وامه وابيه ، وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " وفي سورة الشعراء " يوم لا ينفع مال ولا بنون ، الا من اتى الله بقلب سليم " وفي سورة المؤمنون " فاذا نفخ في الصور ، فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ".

فكل انسان يوم القيامة له شأنه الخاص ، فلن ينظر او يلتفت بغيره حتى لو كان ابنه او ابوه او امه . راجيا رحمة الله لنفسه.

فالحديث يفهم هكذا بناء على نصوص القران الكريم الصريحة والتي لا اشتباه فيها. ولا معنى غير الذي توصلنا له . فالدعاء بالرحمة للاموات لن يشفع لهم ان كانوا من اصحاب النار . ولن يكتب لهم حسنات لمجرد صنبور مياه مثلجة موجود على ابواب مسجد . ولن يدخله الجنة بقرة حلوب تركها كانت تدر لبنا ثم انقطع او ماتت. ولن ينفعه علم تركه ذوى او اهمل او حتى بقي . فكل افعاله قد تم تسجيلها وانتهى امره الى غير رجعة.

وكل مشاهد الدعاء بالرحمة للاموات على صفحات الميديا ووسائل التواصل ما هي الا عبث وشكل من اشكال حالة التوهان التي نعيشها . يكفي للمرء ان يدعو في سره ان كان لزاما عليه . اما اسهال اعلانات ادعية الرحمة الموجودة على المنصات تثير الدهشة بالفعل وتدعو للتامل في حالة هذه الناس ومحاولة اكتشاف الامراض النفسية التي يعانون منها . ولكن كيف السبيل لإفهام مالا يمكن إفهامهم واين الطريق لكشف اللبس المحيط بأغلب ما يعتقدونه .

في النهاية لا يسعني الا ان اقول .. ربنا لا تؤخذنا بما فعل السفهاء منا ..

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية