ساقط توجيهية



ذهب عباس افندي الحنكروتي لالحاق ابنه مراد في مدرسة القرية التي كانت تهتم بتدريس المواد الشرعية في زمن اللولبية. واقبل مراد على التهام المواد سنة بعد اخرى حتى يصبح مثله مثل درويش القرية الذي كان مثار اعجاب الجميع في علمه وفقه. وشب مراد وقد اصبح عالم ببواطن الامور الخفية وتعاليم السيدة فتحية. حتى ان اهل القرية كانوا يرسلون له ابنائهم لكي يعلمهم اصول الطبخ الشرقي والفولية. ولم يكتف عباس افندي بما وصل اليه ابنه من تعليم ورفعة فسارع الى الحاقه في مدارس التعليم الحكومي حتى يحصل على شهادة التوجيهية ويكون من الافندية. ولما لا وهي الشهادة التي كان الحصول عليها مثل الحصول على خاتم سليمان زمن اليهودية. وبعد ان دخل مراد المدرسة ، واصل فيها تعليمه حتى وصل الى امتحان التوجيهي العام. واصبح الوحيد في القرية الذي اتم مثل هذا التعليم. وطفقت بنات القرية جميعا في مغازلته عله يصرف النظر الى احداهن فيتزوجها ويكون من الصالحين. وجاء يوم الامتحان النهائي ومراد لا يخالجه ادنى شك في انه سوف يحصل على اعلى الدرجات. وبعد ان انتهى الامتحان ومرت قرابة الشهر من الايام جاء موعد النتيجة النهائية والتي ستحدد مصير الاغلبية. فخرجت النتيجة بما لم يتوقعه مراد وكان راسبا في جميع المواد تقريبا. ولكنه وياللعجب وجد الجميع يحتفون به ويهنئونه على ما اقترفت يداه. فقد اصبح ساقط توجيهية في قريته بالاضافة الى القرى المحيطة بهم. فما كان من مراد الا ان وزع الشربات على الجميع وهو يدعوهم الى الاستماع الى محاضراته التي سوف يلقيها على ابناء القرية ليعلمهم اصول التعليم. وكون حلقة ستكون مع مرور الايام اكبر حلقة تعليم في بر مصر. وذاع صيت مراد في الاجواء حتى وصل الى اسماع بيت السلطان. فناداه ذات يوم ليحضر اليه ليعلم ابناءه ويغدق عليهم من نفحاته الموسوعية. ولم يتردد مراد فيما طلب منه وسعى جاهدا لكي يكون من المقربين. وبعد ان اتم مهمته بنجاح انعم عليه جناب السلطان بكرسي الاستاذية ليكون شيخ مشايخ الطريقة الجهنمية. وبزغ نجم مراد في الاصقاع حتى وصل الى كرسي العالمية ليقود الامة الخشارية. ومرت الايام والسنون وكبر مراد في السن حتى وافته المنية وقام اهله بدفنه في مدافن الاميرية بعد جنازة مهيبة حضرها ديوان الملكية بجانب بعض الامراء والافندية ونسوا جميعا او تناسوا انه لم يكن الا ساقط توجيهية.
وعجبي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية