قفزة فيلكس وقفزة عبده


فيلكس رجل في منتصف الاربعينيات من العمر، شاهدناه جميعا وهو يقفز من ارتفاع ثمانية وثلاثون كيلو متر فوق سطح البحر. لم يظهر عليه اي نوع من انواع التردد ولم يخالف توقعات العلماء على الارض وهم يوجهونه الى القفز . لم ترتعش يداه الممسكة في الكبسولة الفضائية التي كانت تحويه. لم ينظر الى اعلى ولم يردد ايات من الذكر الحكيم. لم يقل بسم الله او توكلت على الله. ولم يسجد عندما لامست قدماه الارض. وقام واقفا رافعا ذراعاه اشارة لبلوغ الانسان الى مستويات متطرفة من العلم. كيف نصدق الحديث القائل بان العلم سوف يرفع ويفشو الجهل في نهاية الزمان؟ ام ان هذا الحديث خاص بالمسلمين دون غيرهم!!
ايمان فيلكس مختلف عن ايماننا ، فهو يؤمن بان لكل مجتهد نصيب. ومؤمن بان العلم هو السبيل لنهضة الانسان. وايمانه هذا حقيقي ونابع من داخله الشخصي لا يعتريه شك فيه ولا يؤوله الى امور غيبية من الدجل والشعوذة. انه يحسب خطواته بالمتر ويقيس اوقاته بالثانية. ويعلم ان الخطأ في الحساب معناه الموت . واي ان كان فيلكس مؤمن بالله او غير ذلك ، فلم يتزعزع ايمانه بما يعتقده وهو على هذه الحالة اصدق كثيرا ممن يرددون بانهم مؤمنون بالله. ويكفيه صدقا انه يؤمن بالعلم حتى ولو لم يؤمن بالله.
فالايمان ليس قول ولكنه فعل، فعل بالقدر الذي نراه في هبوط المركبة كريوسيتي على سطح المريخ. هذه المركبة هبطت في نفس الوقت المحدد لها من قبل ان تنطلق من على الارض ، واذا علمنا ان رحلتها تجاوزت ثلاث مائة وخمسين مليون كيلو متر ، لوجب علينا ان نقف اجلالا واحتراما لعقل الانسان الذي حسبها، ويجعلنا بالتالي نسجد لله شكرا على قدرة الانسان التي وصلها في هذه الكون.
فايمان فيلكس بقدرة الانسان ايمان صادق حقا. لا ينتابه شك في ذلك لذلك فعلها وحطم كل الارقام القياسية التي سبقته، ما اعظمك ايها الانسان..
على الجانب الاخر نرى قفزة عبده، وهي قفزة لا تتجاوز الثلاثة امتار فوق حمام السباحة. يقترب عبده من حافة الارتفاع ولكنه يتردد كثيرا وينظر الى الاسفل كثيرا ويعتريه الرعب من هول ما يرى. ولولا ان هذه القفزة اجباري عليه لكي يتخطى امتحان القبول لاقسم باغلظ الايمان بانه لن يفعلها. فيتراجع الى الخلف ويتحجج بان لديه فوبيا من الارتفاعات. ولكن كل ذلك لا يمنعنا من النظر الى شخصية عبده التي لا تترك فرضا في المسجد وتصوم الليل والنهار ولا تتورع في القاء المواعظ عن الايمان بالله والرسول والايمان بالموت وبالاجل.
فعبده ظاهره مؤمن وباطنه متشكك. فلو انه مؤمن حقا لما تردد كما حدث وكما تقول له الايات بان الموت بيد الله ولن يتاخر اجله ان جاء. وايمانه على هذه الحالة ايمان عبثي لا يجني من وراءه الا الجدل والنفاق. وهو على هذه الحالة قد خسر الايمان بالله ايضا.  فخسر الاثنين العلم والايمان.
فالاثنان يخافون من الموت بالتاكيد ، ولكن فيلكس آمن بالعلم الذي سينجيه على الاقل اما عبده فلا يؤمن بأي شئ ينجيه من الموت.
لله درك يا فيلكس....


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية