الاستاذ طلعان الدين أبو الفشوخ
الاستاذ طلعان الدين ابو الفشوخ ، رجل يبلغ من العمر خمسين عاما. يرتدي بدلة جوخ موديل السبعينات ويضع على عينيه نظارة سميكة بسبب قصر نظر اصابه منذ نعومة اظافره. له ذقن خفيفة وشارب كث ولا يخلو وجهه من التجهم طوال الوقت. يعمل في احدى المؤسسات الاجتماعية والتي تخدم ابناء منطقته. يذهب الى عمله والنشاط والحيوية يدبان في اوصاله. فهو معتاد على الاستيقاظ مبكرا كل صباح والنوم في وقت مبكر ايضا. لم يغير روتين يومه طوال سنوات عمره ولم يحاول حتى تغيير نشاطه. ذات صباح وهو ذاهب الى عمله كالمعتاد ، لمح طفل صغير مستلقي على جانب الطريق وعلامات البؤس تعلوه ، فقرر ان يأخذه الى المؤسسة حتى يحاول ان يعالج مشكلة هذا الطفل الصغير. فذهب صوب الطفل وساعده على القيام ثم قاده معه الى المؤسسة. واثناء سيرهما طلب منه الطفل ان يشتري له طعام لانه لم يأكل طيلة اليومين الماضيين. فلم يتردد الاستاذ ابو الفشوخ في تنفيذ الطلب ، لاسيما وان الذي سيدفعه سوف يأخذه من المؤسسة طالما احضر فواتير الشراء، فكل شئ بالقانون يهون. فدخل الاستاذ ابو الفشوخ واشترى الطعام للطفل ولم ينسى ان يطلب من البائع فاتورة الشراء. نظر اليه البائع باستغراب ولكنه اعطاه ما طلبه ونسي ان يختم على الفاتورة. فلم يكن من الاستاذ ابو الفشوخ الا ان نبه البائع لهذا الخطأ. ولكن البائع صرح له بان الختم عند صاحب المطعم الذي لم يأتي بعد. فتململ الاستاذ ابو الفشوخ واخذ الورقة بدون الختم وذهب الى طريقه.
وصل الاستاذ ابو
الفشوخ الى العمل مصاحبا الطفل وما ان دلف الى مكتبه حتى نادى على الموظفة التي
تختص بشؤون رعاية الاطفال وشرح لها بالتفصيل ما ستفعله في حالة الطفل. ابدت
الموظفة بعض الانتباه وهي تستمع الى توجيهات السيد ابو الفشوخ ثم انصرفت متوجهه
الى مكتبها لتنفيذ المراد بعد ان أرخت عضلات وجهها وفردته من العبوس.
استمر
الاستاذ ابو الفشوخ في القيام بعمله الروتيني حتى انتصف النهار فقرر ان يتفقد اداء
الموظفين كما يفعل عادة. فقام من مكتبه ودخل اول مكتب عن يمينه فوجد الاستاذ فرج
الحانوتي منكبا على الاوراق الموضوعة امامه ويعمل بكل كد واجتهاد بعد ان لمح
الاستاذ ابو الفشوخ قادما في الطريق اليه. ووجد ايضا عامل البوفيه يقدم مشروب
الينسون الساخن الى الاستاذة فاطمة الدرملي التي تحاول ان تكتب ورقة على الكمبيوتر
الموضوع امامها منذ الصباح، فهي لا زالت مبتدئة في التعامل مع مثل هذه التكنولوجيا
ويستغرق منها كتابة بعض الاوراق ابد الدهر احيانا. فخرج الاستاذ ابو الفشوخ من
عندهما متوجها الى مكتب الاستاذ سعيد الفيومي الذي لم ينم جيدا بسبب سهرة قضاها
عند بعض الاصدقاء. وكعادة الاستاذ سعيد ، خلع حذائه الاسود تاركا شرابه على قدميه
ينشر اسوأ انواع العطور الفواحة حتى ان غرفة المكتب وبرغم دخول الهواء من الشباك
كانت رائحتها مثل رائحة الطين العطن. لم يستطع الاستاذ ابو الفشوخ المكوث وكاد
يتقيأ من رائحة الغرفة فخرج مسرعا متوجها الى مكتب الاستاذ عباس افندي صاحب اجمل
حمالات صدر تشتهر بها المؤسسة. فجلس الاستاذ ابو الفشوخ عند عباس افندي ليتبادلا
اطراف الحديث المعروف. فلان تعبان وعلان عيان وترتان جعان ، ولم ينسى الاستاذ عباس
ان يسرد تفاصيل الليلة الحمراء التي قضتها الاخت فوزية مع زوجها عشية عيد الفلاح.
وعندما سأله الاستاذ ابو الفشوخ عن كيفية معرفته بهذه التفاصيل ، ذكر الاستاذ عباس
انه سمعها منها وهي تحكيها لصديقتها درية وكان صوتها عالي جدا الى الدرجة التي
جعلت الحوائط تعجز عن منع صدى الصوت. وعندما لاحظ الاستاذ عباس سرور ابو الفشوخ من
الحديث اخرج له حبة زرقاء من درج مكتبه واعطاه اياها. تهللت اسارير الاستاذ ابو
الفشوخ من هدية الاستاذ عباس ثم قام من عنده بعد ان اثنى عليه وعلى عمله ثم توجه
بعدها مباشرة الى مكتب الحاجة سعاد صاحبة دروس الوعظ والارشاد ، فوجدها تصلي
كعادتها فلم يعبأ بسؤالها عن ماهية هذه الصلاة حتى لا يبدو كجاهل بأمور دينه. وبعد
ان انهى المرور على جميع المكاتب رجع الى مكتبه مكتفيا بسؤال الفراش عن سبب غياب
عم عبده البواب.
وبعد ان دخل
الى مكتبه اخرج اوراق تقييم الموظفين السنوية حتى يتمها ويرفعها الى رئيس المؤسسة.
فأعطى الاستاذ عباس والحاجة سعاد وفرج الحانوتي درجات مرتفعة واعطى الاخت فوزية
ودرية وفاطمة الدرملي درجات متوسطة وكاد ان يعطي الاستاذ سعيد درجة متوسطة الا انه
تذكر رائحة الشراب فاعطاه درجة منخفضة. ولم يعطي الفراش والبواب شيئا لانهما لم
يكونا معينين.
وبعد ان اتم
كتابة التقارير توجه الى مكتب رئيس المؤسسة الاستاذ معلوف السمني ، فوجده متكئا
على كرسي المكتب ورافعا سماعة التليفون على اذنيه ويقهقه من الضحك. أشار اليه
الرئيس بالجلوس وما لبث ان وضع السماعة بعد ان انهى المكالمة. فقدم اليه الاستاذ
ابو الفشوخ تقارير الموظفين حتى يمهرها الرئيس بتوقيعه الكريم. اخذ الرئيس نظرة
خاطفة على التقارير ثم رفع القلم ونزل به كالسيف على الاوراق مهددا ومتوعدا كل
مقصر. وبعد ان انتهى من تمثيل مشهد حسن الهلالي اعاد الاوراق الى الاستاذ ابو
الفشوخ. فقام الاستاذ ابو الفشوخ عائدا الى مكتبه ومنهيا في الوقت ذاته يوم من
دولاب العمل الشاق.
وهكذا ايها
الملك السعيد ذو الرأي الرشيد نكون قد وصلنا الى نهاية قصة الاستاذ ابو الفشوخ
الذي يكد ويعمل ويجتهد من اجل رفعة الوطن والتقدم والرقي ،و يتندر على اضمحلال ضمير
الناس وقلة اتقان العمل. ولم ينتبه الى انه مشارك في هذه المسرحية الهزلية بدور
البطولة ويظن انه يجلس في مقعد المتفرجين بالصفوف الاولى.
ما ابشع
اختلاط الادوار !!
تعليقات
إرسال تعليق