قراءة لقصة الاسراء والمعراج
نزولا على رغبة احد الاصدقاء ، سأفتح موضوعا لم اكن اود فتحه لكبر حجمه وصعوبة استيعابه من البعض. بالاضافة ان مناقشة نقطة واحدة مع ترك غيرها قد يؤثر على سلامة بنيان الموضوع سيما وان الخوض في هذه النقطة سيولد الاسئلة التي لن تحتمل بعض الوريقات استيعابها وستحتاج الى كتب ومجلدات لغلقها والرد عليها. وعلى ذلك فلن نقدم كامل الاجابات وسنتركها لرغبة القارئ الذي يريد الاستزادة ان اراد من الكتب التي يمكن لنا ان نحيله اليها. ونود ان نشير الى اننا لن نستطيع ان نعطي الموضوع كامل حقه في الشرح والتعليل ، ليس لعدم معرفتنا بكافة تفاصيله بقدر رغبتنا في عدم بث الشعور بالملل او التململ من الاطالة في الشرح. لذلك سيكون الاختصار في التوضيح هو السمة السائدة في هذه المقالة مع حرصنا على عدم المساس بصلب الموضوع.....
الاسراء
والمعراج ، هو الموضوع الذي سنفتحه لنوضح ان هذه القصة التي يحفظها الجميع عن ظهر
قلب قد تكون مختلفة كلية عما نعرفه وهي جزء من كل سنوضحه لاحقا ان كان في العمر
بقية.
هذه القصة
أتت الينا من كتب السيرة النبوية والحديث بكامل تفاصيلها ولكن لم يشار اليها في
القران الا في اية واحدة في سورة الاسراء
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)الاسراء
فاذا نظرنا
الى الاية كما هي فانها تشير الى عبد اسراه الله في طريق ليلا من المسجد الحرام
الى المسجد الاقصى. الاية هنا لا تحدد من هو العبد نهائيا ولم تلمح الى احد بعينه
من قريب او بعيد لذلك لم تجزم قطعا بأنه محمد (ص ) . هذا غير ان الاية تشير الى
المسجد الاقصى وهو ليس المسجد الاقصى الذي قد يأتي في خلد البعض بانه الموجود في
فلسطين. لان المسجد الاقصى الحالي الموجود في فلسطين لم يبنى الا في عهد عبد الملك
بن مروان صدر الدولة الاموية اي بعد موت الرسول بستين سنة تقريبا وسماه المسجد
الاقصى تيمنا بالاية المذكورة. وعليه فهذا المسجد ليس ذاك ، انما المراد من الاية
هو مكان اطلق الله عليه المسجد الاقصى وليس في فلسطين. ثانيا ، كلمة الاسراء جاءت
من الجذر اللغوي سار ، واسراء تعني الحض على السير. كأن يقول لك احدهم سر في هذا
الطريق. اي ان الله حض العبد بوحي ما على السير في طريق معين. ثالثا، الاية جاءت قبل الايات التي تتكلم عن موسى وبني
اسرائيل. وليست اية في سياق قصة تتحدث عن الرسول وعلى اسراءه.
وعلى اعتبار
ان قصة الاسراء تعتبر آية حسية من ايات الله التي قد يبعثها الى الرسل والانبياء ،
لوجب علينا هنا ان نوضح ان الرسول (ص ) لم يأت بأي اية حسية بنص القران في مواضع
كثيرة حتى ان قريش ذات نفسها طلبت من الرسول ان ياتي اليهم باية ولكن الله رد
عليهم...
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ
رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ
(27) الرعد
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ
يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ
الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ
عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ
يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ
لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ
رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) الاسراء
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ
بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)طه
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي
الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)
الفرقان
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا
الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا
نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)الاسراء
فالرسول ما
هو الا بشر يأكل ويشرب وينسى ويتزوج ويخطئ احيانا، لم تكن له آية حسية كالتي اتت
الى الرسل والانبياء قبله مثل ناقة صالح او ايات موسى. فالله خاطب البشر كلاميا
فقط عن طريق رسالة القران ولم يرسل الى محمد ( ص ) بايات حسية حتى يؤمن به البشر.
وكل الكلام عن الايات التي جاء بها الرسول مثل الختم على كتفه والظل الذي كان يظله
في رحلاته ما هو الا محض افتراء ودجل. وهاكم الايات التي يقول فيها الرسول هذا
الكلام بنص القران ...
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ
اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ
سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)يونس
قُلْ لَا أَقُولُ
لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي
مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ
أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)الانعام
وعليه فلم
يكن الرسول يحتاج الى ايات حتى يدعم رسالته لان الله لم يرسل اليه اي ايات حسية
وكانت طريقته في الدعوة تختلف عن دعوة بقية الرسل لانها دعوة عقلية . يخاطب فيها
الله عقول بني البشر وتفكيرهم وليس حواسهم. ولنا ان نكتفي بهذا القدر من مناقشة
قصة الاسراء ولن نخوض في محاولة الاجابة عن الشخصية التي ذكرت في قصة الاسراء لان
الحديث عنها يحتاج موضوعا اخر.
ولنا ان
ننتقل الى قصة المعراج ، هذه القصة لم تذكر او يشار اليها اطلاقا في القران. حتى
انه لم يرد نص كلمة المعراج بهذه الصورة نهائيا. وكل ما نعرفه عنها انما جاء من
الاحاديث وكتب السنة . وهناك حديث في البخاري في باب المناقب يتحدث عنها عن انس بن
مالك.ولن نورد نص الحديث لطوله ولكننا سنتوقف للرد على من سيقول انها ذكرت في سورة
النجم....
وَالنَّجْمِ إِذَا
هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى
(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ
فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ
قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا
كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ
رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ
الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا
طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)"
الله يخاطب
المشركين في هذه الاية ويرد عليهم في اتهامهم الرسول بانه ياتي بكلام من عنده وان
جبريل هو من يعلمه ، ثم يوضح كيف علمه جبريل بانه نزل مرة ودنى من الرسول حتى
اقترب منه جدا ثم اوحى له بما اراد ان يوحي . ثم رآه مرة اخرى عند مكان قال عنه
الله انه سدرة المنتهى وهو على الارض وليس في السماء ، ويؤكد الله للرسول بان ما
رآه ليس زيغ للبصر وان ما شاهده حقيقي.
ولنا ان ندعي
بأن هذه السورة بالذات هي من الايات التي جاءت في بدء الدعوة العلنية لان الله
يخاطب قريش فيها. وتوضح لهم بان الرسول لا يدعي عليهم بانه نبي. واذا علمنا ان
الله لا تدركه الابصار ولكن يدرك الابصار فلنا ان نؤكد بان الرسول لم يذهب الى
الله فوق سبع سماوات حتى يراه. لان الله قال في القران .....
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)الشورى
وهذه الاية
توضح كيفية مخاطبة الله للبشر ، اما وحيا كما كان يوحي لمحمد ( ص ) او من وراء
حجاب كما كلم موسى او ان يرسل رسولا كما ارسل الى مريم وابراهيم ولوط، ومحمد ( ص )
ايضا عندما ارسل له جبريل في بداية التبشير لابلاغه بان الله اصطفاه ليكون حامل
رسالته. وكل ما جاء في كتب الحديث والسيرة ما هو الا خزعبلات لم تحدث وهي مدسوسة
ويشوبها الخبل.
ونكتفي بهذا
القدر برغم اختصاره الشديد لان العبرة من طرحه هو طرق العقول وجعلها تفكر وتبحث
بذات نفسها وليس الغرض ادخال وحشر المعلومة حشرا كما تفعل الكتب المدرسية. اما من
اراد الاستزادة فيمكن له مناقشتنا بالحسنى وسنرد عليه بما اتاح لنا الله من علم.
ومن اراد الرد علينا فلن نقبل منه الا الرد بالقران اما خلاف ذلك فلا مجال
لمناقشته معنا.
والسلام
ختام.
تعليقات
إرسال تعليق