ليس كل ما تجيده نافعا


ما اصعب ان تأتيك الفكرة ولا تجد الكلمات التي تعبر عنها. انني في هذا الموقف الان. كتبت سطورا ثم مسحتها. مرة ومرات. انها حالة تأتيني دوما عندما اريد ان اكتب عن موضوع يصعب وصفه بصورة دقيقة. في النهاية قررت ان اترك عقلي يسترسل. وها انا استرسل. لن اركز في نقطة ولن اعيد كتابة غيرها . ساترك مايخرج ياتي تلقائيا نقيا. لن ادقق في تراكيب الجمل ولن اتعمق للوصول الى المعنى الدقيق. لان الموضوع يبدو بسيطا او هكذا اظن..
الموضوع بكل بساطة انه ليس كل ما تجيده نافعا..!! فانت قد تجيد من الاشياء الكثير. مثل الرسم او العزف او الغناء او الكتابة كما افعل او اي حرفة او مهنة. ولكن هل توقفت يوما وسألت نفسك ما العائد مما افعله؟ وهل هو مجدي ويعود علي بالنفع المتوقع؟ هل يقيني متاعب الحياة ام انه ترف لابد من التوقف عنه؟ ما معنى ان تكون رساما ولا يشتري منك احد ما ترسمه؟ ما فائدة العزف وانت لا تجد من يسمع الحانك ونوتك الموسيقية؟ ما فائدة تعلم الغناء؟ ما فائدة ما تكتبه وليس هناك ما يقرأه؟  ما فائدة الصنعة التي تتقنها وهي لا تعود عليك بما يكفيك قوت يومك؟ ما فائدة كل هذا الوقت الذي تضيعه في تعلم فنا جديد؟؟
انها اسئلة قد تخطر على بال البعض عندما لا يجدون المقابل لما يفعلونه. فكم من رسام بات فقيرا وكم من عازف مات حقيرا؟؟ ان الحياة لا تسير وفق منظومة ثابتة ولا تخضع لقانون احادي الجانب ولكنها ذات جوانب متعددة. قد ياتيك الحظ من هنا ولكنه لا ياتيك من هناك. ولكن يبقى دوما قانونا واحدا الا وهو قانون الانسان. هذا الانسان الذي يبقى في الصراع مع النفس للوصول الى هدف منشود داخل نفسه وذاته. انه هدف وجودي يحاول اثباته. هدف لا يمكن تصوره بالعقل . هدف ان يحقق ذاته ويقول لنفسه على الاقل انه كائن لديه ما يقدمه لنفسه حتى ولو لم يجد من يشتريه. هدف يتفانى في اتقانه بعد ان فقد كل شئ معناه. هدف حقيقي وليس خيال نرسمه امام الاخرين لننال بعض التقدير والاستحسان. هدف حي ينمو يوما بعد يوم ، نغذيه من روافد المعرفة والخبرة. انه البصمة التي يتركها كل منا حتى بعد رحيله. مثله مثل الولاعة او الكتاب او الحذاء او المخطوطات او الكمان التي تركناها خلفنا بعد ان وارانا التراب. انه نافعا من منظورنا ونظرتنا لنفسنا برغم انه قد لا يكون كذلك بالنسبة للاخرين. انه التراث الذي تحتفظ به الامم لنفسها انه التاريخ الذي يكتب والمعرفة التي تتوارثها الاجيال.  نحن نضرب هذه المعرفة وهذا التراث في مقتل عندما لا يكترث به احد.
رفقا بنفسك ايها الانسان ، توقف قليلا حتى لا يصيبك الجنون او تنتابك الهلاوس. فكل ما لديك قد لا يكون نافعا الا لنفسك. فلا تهتم بالاخرين لانهم لا يدركون ما لديك. لا تلوم الدنيا على حالها ولا تبتئس مما قد تشاهده فيها. ولا تشغلك الظنون بان ما تقدمه ليس له قيمة. فان القيمة هي ان تخرج كل ما بدخلك ولا تجعله حبيس صدرك فيؤلمك من ضغطه عليك. اترك لخيالك العنان وامرح في ذوات نفسك واضحك على نفسك من نفسك. وكن وحيدا طالما لا تجد في الكثرة ملتحدا. ولسوف يرى الناس ما فعلته في يوم من الايام لانهم لا يشاهدونك اليوم ولكنهم سيركزون عليك وانت في تابوت الموت حتما. ستسمع صراخهم عليك وحزنهم على فقد العزيز الغالي. عندها فقط ستجد ما فعلته له قيمة وستفرح يومئذ بما قدمت يداك من عمل لم تجد له مشتري في يوم من الايام........
فان كل ما تتقنه الان سيكون له قيمة غدا. وان غدا لناظره قريب....

    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية