الصدفة


هل الاحداث التي تفاجئنا احيانا كثيرة ونقول انها حدثت صدفة ، تعتبر صدفة حقا ؟؟
هل رؤيتك لصديق في طريقك لم تره منذ سنين وبدون سابق ميعاد تعتبر صدفة؟ هل ارتباطك بزوجتك صدفة ؟ هل الاحداث التي واكبت استقالتك من العمل صدفة؟ هل الكتاب الذي وقع في يدك وبعدها وجدت كاتبه يجلس على الكرسي المقابل لك في المقهى صدفة؟ هل الازمات التي تمر بك صدفة؟ هل الكون والحياة صدفة؟ لا أظن
فالصديق والزوجة والاحداث والكتاب والكاتب والكون والحياة جميعها لم تكن صدفة ان دققت فيها النظر او حاولت تبيان الرابط بينهما. فجميعها احداث واجبة الوقوع. تنبئ لنا بقدر يسير بما ستؤول اليه احداث المستقبل. وكل من له قدرة على الاستبصار يعرف ولو بنذر يسير مما سيكون عليه حاله مقدما. جميعها تقول لنا ان القدر لا يترك لنا الاختيار كما نتوهم احيانا . حتى الوقوع في الذنب لم يكن صدفة ، وارتكابك الموبقات لم يكن صدفة. الا تتذكر الصديق الذي دعاك الى موعد ولم تكن تدري ما سيكون عليه حالك بعدها؟ هل تتذكر كأس الخمر الذي تجرعته وانك لم تكن تنوي قبل خروجك عليه؟ حتى فعل الصواب او الخطأ ، الحسنة او السيئة هما صنوان لا يفترقان في مسار حياتنا . ومكتوب علينا فعلهما مهما قاومنا او حاولنا تعديل مسار الصدفة كما ندعي. فالصدفة لن تعود بك لتفعل العكس ولو مر نفس الشريط الف مرة عليك. الصدفة كالنهر الذي لا يمكن ان يتوقف عن الجريان ، وستسبح فيه برغبتك او بدون ارادة منك. هي الشريط التي يعرض مشاهد الحياة علينا حتى ولو اغلقنا عيوننا. هي الاجبار الواقع علينا في صورة تكاد تكون مخفية عنا. هذه الاحداث كلها ان فكرت فيها جيدا ، وتفهمتها واحسنت الظن فيها ، لادركت ان الشقاء الذي انت فيه لا يد لك فيه في الحقيقة . نحن لا نؤثر على الاحداث واجبة الوقوع الا بقدر تزينها وتجميلها حتى نستطيع تقبل مأساتها . نحن نصنع الترياق لتحمل مرارة واقعنا الواجب الحدوث .  
ولا تكثر الصدف في حياة الانسان الا اذا كان متفهما لها ، ومدركا انها لا تأتي كهذا بدون اتساق. واذا تكاثر عليك حدوثها فاعلم انك قد تكون من المقربين الى الله . لانها باب استشراف للكشف واجلاء وجه الحقيقة المطلقة. هي كما يقول الصوفيون ، انها الاتحاد بينك وبينك الوجود . انها الرؤيا التي تحدث لك في اليقظة كما تحدث الرؤيا في المنام.
كل هذه الامور تدفعنا الى اليقين ان كل مواقفنا في الحياة لا يد لنا فيها بالمعنى الحرفي للكلمة وانما هي اشياء واجبة الوجود . نحن قطعة مكملة  للصدفة الحادثة مثل قطعة البازل.
فلا تحزن على امر فات او تفرح بما هو آت ، انما عليك ان تتربص لكل فرصة لانها تعطيك فقط صورة لما قد يبدو عليه المستقبل . وحتى ولو ادركت مستقبلا ليس مشرقا فلن تستطع ان تعدل فيه لان مسار الوجود لن يعطيك القدرة على تغيير مساره.
ولا تكثر الصدفة ايضا الا في اوقات الشدة لان الحزن احيانا يصقل القدرة على الكشف بما لنا من احساس مرهف وقت الضيق. وبصائرنا تنجلي اكثر فأكثر عند الابتلاء وتكون جميع حواسنا على استعداد كامل لالتقاط كل شاردة وواردة وتكون عقولنا في حالة جاهزية للتعرف على الصدفة بسهولة.
وفي مرحلة متقدمة جدا نصل الى القدرة   ليس على مواجهة الصدفة والتعرف عليها وانما  على التنبؤ بالصدفة ( DEJA VU ). وهي مرحلة تصل الى الاحساس بوقوع خاطر في مخيلتك انك ستقابل احدا بعينه او سيحدث موقف بعينه او احساسك برؤية مكان اول مرة تذهب اليه . ثم تأتي مرحلة الاولياء الصالحين في الكشف الى ان نصل الى قدرة النبي يعقوب في الاحساس برائحة يوسف...... وإنه لذو علم لما علمناه ولكن اكثر الناس لا يعلمون.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية