عماشة في الادغال


نما الى علمي في يوم من الايام ، ان هناك جندي ياباني تم العثور عليه في احدى الغابات وهو متسلحا ويترقب وصول الاعداء. وعندما تم القبض عليه اكتشفوا انه من بقايا الحرب العالمية الثانية وانه لم يكن على علم بانتهاء الحرب. وظل هذا الجندي في موقعه لم يتحرك طيلة هذه المدة. ونحن نريد تعظيم شأن هذا الجندي واحترام ثباته على حماية وطنه بدون كلل او ملل ، لكننا نعتب عليه فقط طول انتظاره بدون محاولة اكتشاف ما يحدث حواليه. فطول المدة في حد ذاتها تدعو اي انسان الى الشك ومحاولة تقصي الحقائق لا سيما وان الحرب قد انتهت ولم تعد تدوي اصوات القنابل وازيز الطائرات. وعلى كل فنحن نكن كامل الاحترام لهذا الجندي ونحترم في الوقت ذاته التربية العسكرية اليابانية التي اتحفتنا بمثل هذا الجندي. ودعنا نتخطى هذا الجندي ونسهب في وصف نماذج تعيش بيننا تفعل مثل هذا الجندي تماما بكونها تقف متحفزة تترقب وصول الاعداء بالرغم من عدم وجود اي اعداء. والذي دفعها الى هذا الفعل ، هو انها لا تدرك ان الحرب انتهت او بمعنى اكثر وضوحا هو ان فكرها وما تعتقده اصبح في طي النسيان. فما زال بيننا من يؤمن بمبادئ الشيوعية ومن يؤمن بمبادئ الماركسية او حتى الاشتراكية. ولا يفتأوا يقدمون الشروح على ما يروه بدون اي منطقية في التعليل. ويتشبثون بآرائهم كما يتشبث الغريق بالقشة لايتركها ابدا. واذا اردنا ضرب مثال واقعي على ما نقوله ، فهناك بشر لا تكاد تشاهد غير قنوات تليفزيونية بعينها ويصدقون كل ما يقدم فيها وايمانهم بها يضارع ايمانهم بوجود الحياة على الارض. واذا حاول دخيل تغيير هذه القنوات بالقوة ترى اعينهم تفيض من الدمع على خسارة مقطع لم يشاهدوه او كلمة لم يسمعوها. تدور اعينهم كالذي يغشى عليه من الموت. فهم مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء. ويجب علينا ان نعترف ان البشر ليسوا متساويين ولكن الذي نعترض عليه ان يتدخل مثل هؤلاء البشر في ابداء الرأي. فكيف تحكم على امر من الامور وانت لا تشاهد غير جانب واحد من القصة؟ وبناء عليه فلا يمكن لاي انسان مهما ان كان ان يتصور انه ملك الحقيقة المطلقة وهو لايعلم ان مايشاهده ليس بالضرورة هو عين الصواب. وكيف يغلق انسان عقله الى الدرجة التي تجعله يناوئ ويعادي من يختلف معه في الراي؟ ويزداد تعجبنا اذا علمنا ان نفس الشخص لا يريد ان يسمع اي راي من جهات اخرى وهو اثناء ذلك يحاول غلق اذنيه حتى لا تشتت عليه ما يحفظه ويعلمه. غريب امر هذا الانسان فعلا فكل مآسيه انما تاتيه من جانب عقله فقط.
وزد على ذلك ان هذا ( العماشة ) كما نطلق عليه بجانب انغلاق عقله ، تتيبس كل اعضاءه اثناء دفاعه عن موقفه ولا يشعر بانه اصبح صنم بعد ان تحجرت كل اطرافه. ولا تخرج منه الا حشرجات تسمعها ولا تفهم منها شيئا اثناء نهيقه المدوي. والذي يزيد الطين بلة ، انه ينعزل معتقدا ان الجميع لا يفقه ما يفقهه. ثم يتوارى وحيدا ممتشقا سلاحه الوحيد بين يديه ومنتظرا الاعداء الذين يريدون قتله. واذا ظهر خيال مأته في الافق ظنها عدو وظل يطلق صرخاته حتى يبتعد عنه والا اطلق عليه سهام الجهل والتخلف. عجيب امر هذا الانسان الذي لايريد الخروج من الادغال. يبدو انه الفها وتآلف مع كائناتها وبيئتها. واصبح وحدة واحدة لا تستطيع فصلها الا اذا احضرت له احراش صغيرة يسكن فيها. ويا حبذا لو زاوجته مع امثاله ، فلن تسمع لهم الا اصوات تشبه نقيق الضفادع .
كيف يستسلم الانسان ويسلم مقاليد اموره لفكرة او معتقد لم يثبت صحتها بعد؟ كيف يدافع انسان عن فكرة ويبذل فيها الغالي والرخيص بدون الوقوف على حقيقتها؟ متى يخرج عماشة من الادغال؟؟






    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية