الزواج المقسوم (قصة قصيرة )


داخل بلدة صغيرة تدعى جرينسكي ، جلس الزوجان تيودور وفاليريا حول طاولة العهد التي وضعها كاهن البلدة. حانت لحظة انهاء زواجهما الذي دام عشر سنوات فقط. مرر الكاهن القلم الى الزوج لكي يوقع امام اسمه على القسيمة ثم مررها الى الزوجة لكي توقع عليها. وبعد التوقيع قام الزوجان وصافحا الكاهن بابتسامة صغيرة وافترقا الى الابد.
ترجع احداث القصة الى عشر سنوات حينما كان تيودور يعمل مدرسا في مدرسة، تعرف خلالها على فاليريا. الفتاة الفاتنة ذات العيون الزرقاء والتي كانت تعمل مدرسة لغة لاتينية. احبا بعضهما لدرجة الجنون ، حتى ان زملائهما في المدرسة اتخذوهما إلهين للحب والعشق. لم تمر الا فترة قصيرة حتى اتفقا على الزواج واستشعرا ان الحياة لا يمكن ان تستمر الا وهما ملتصقان ببعضهما. وما ان قررا الزواج حتى استعد الزوج بالسكن الملائم وفرشه بافخم الاثاث. وهمت العروس بشراء كل ما يلزمها. وبعد تحديد ميعاد الزفاف ، قاما بطبع كروت الدعوة التي سيوزعاها على اصدقائهما ومعارفهما. لم يكن يعنيهما شئ في الحياة الا الحب والقرب. لم تنغص عليهما الدنيا بشئ ولم يفترقا لحظة واحدة. وقبل ميعاد الزفاف بيوم ، توجها الى الكاهن ليتفقا معه على اجراءات الزواج. ولكن الكاهن فاجأهما بسؤال غريب. وقال لهما ، هل ستوقعان على قسيمة ابدية ام ستوقعان على قسيمة زمنية؟ لم يفهم تيودور مغزى السؤال ، فتابع الكاهن عندما رأى التردد على وجهيهما. فتابع وقال ، القسيمة الابدية هي التي لايمكن لكما ان تفترقا الا بالموت اما القسيمة الزمنية هي التي تحدد فترة معينة ثم تفترقا بعدها. رفع تيودور عينيه الى فاليريا وابتسم قليلا ثم ادار رأسه الى الكاهن وقال ، وهل يمكن ان افترق عن روحي وكياني. ابتسمت فاليريا عندما سمعت هذا الاطراء ولفت ذراعها حول تيودور ثم وضعت راسها على صدره وكادت تغوص في حنانه. ولكن الكاهن عقب وقال ، لا تستهين بامور الحياة يا بني. فان الدنيا كما فيها الحقيقي فيها المزيف. وكما فيها الحب فيها الكره. ولا يمكن ان تتنبأ بالمستقبل. واذا اردت ان تأخذ مني النصيحة فاني افضل ان تختار القسيمة الزمنية ، فاذا مرت العشر سنوات بدون منغصات فلك بعدها ان تكمل. اما ان لم تكن كذلك ، فحق لك عندها ان تنفصل بدون اي مشكلة. ولكن اذا اخترت القسيمة الابدية فيجب ان تعلم انك لن تستطيع ان تنفصل بعدها ابدا وستكون حياتك جحيما لو لم تكونا على وئام. بدا كلام الكاهن مقنع بعض الشئ بالنسبة الى فاليريا ، فهي ذات عقلية موضوعية وعقلانية جعلتها تفكر في الامر بترو وتؤدة. لم يكن الكلام مناسب لتيودور فهو كان المحب الولهان الذي لا يصدق ابدا انه يمكن ان يفترق عنها في يوم من الايام. وبعد نقاش بينه وبين فاليريا قررا ان يوقعان على القسيمة الزمنية. ولكن تيودور ظل طيلة اليوم غير متفائل بما فعله ولكن الحبيبة هونت عليه الامر لان الموضوع لا يمكن ان تصل ابعاده الى هذه المرحلة. فاقتنع تيودور بما قالته فاليريا ونسي ما كان من امر القسيمة.
جاء يوم الزفاف سريعا والكل منشغل بتهنئة العروسين ، متمنين لهما حياة سعيدة تملؤها الراحة والهناء. وبعد الزفاف سارت حياتهما كما كان مخططا لها ، لاينغص عليهما كيد عازل او حسد حاسد. وبعد مرور السنوات الاولى بدأت تدب بعض الخلافات بينهما ولكنهما كانا يحاولان حلها. فكانا ينجحان في حل بعضها ويؤجلان حل بعضها. ومع مرور الزمن بدأت تتزايد الخلافات والمؤجلات حتى قاربت ساعة العشر سنوات تدق. تذكر تيودور قسيمة الزواج اثناء خلاف دب بينه وبين زوجته الحسناء. فسكت برهة وهو ينظر اليها وبدأت فكرة الانفصال تراوده وبرق في ذهنه كلام الكاهن الذي قاله. فجلس تيودور على الكرسي المقابل لفاليريا وقال لها ، يبدو اننا سنتخذ القرار الصائب الذي لم اكن اتخيل انني سأتخذه في يوم من الايام. نظرت اليه فاليريا بتمعن وردت عليه بنفس الكلام مع اضافة قليل من العتاب والهجوم. مرت الايام ووجدا نفسيهما يقفان على عتبة حجرة الكاهن وهما قد اتخذا قرارهما النهائي الذي لا رجعة فيه. وقبل ان يرفع تيودور يديه ليدق على الباب ، فتح الباب فجأة وخرج زوجين من عند الكاهن وتبدو عليهما امارات السعادة. وبعد ان مرا دخل تيودور وفاليريا الى الكاهن وهو يرمقهما بنظرات العارف بما سيطلبانه منه. وقبل ان يلقي تيودور عليه التحية وقف الكاهن وقال لهما ، الم اقل لكما ان الحياة فيها مالا تعلمانه. أومأ تيودور رأسه ايجابا ثم عقب قائلا بانهما قد قررا الانفصال الى الابد وان القرار لارجعة فيه. لم يلح عليهما الكاهن بالتفكير كما كان يفعل سابقا . ولم يحاول ان يجهد نفسه بكلام ستذهب بادراجه الرياح. فهو عالم بأمور الدنيا التي تغيرت وباحوال الناس التي تبعثرت. وبعد ان وقعا على الانفصال قال لهما الكاهن مالم يكونوا يعلموه. فقال لهما ، انكما الان منفصلان الى الابد ولا يمكن ان تتزوجا ثانية ولكن يحق لكل منكما ان يتزوج باي انسان اخر. ثم اردف قائلا ، الا تعلما ان اهل هذه البلدة كلهم قد وقعوا على قسيمة الزمن ولم يوقعوا على قسيمة الابدية؟ فلم يعد لدى الناس ما يجعلهم يستريحون على جانب واحد وكلهم يبحثون عن التغيير. هذه هي سنة الحياة. واذا اقترنت بانسان لحبك له اليوم فقد ياتي يوم تكرهه فيه ، فلا تعطي لنفسك ان تحب بكل جوارحك حتى لا تكون كاذبا ان انفصلت عنه في يوم من الايام وهو ات لا محالة. وكن وسطا في حبك وكرهك وعشقك وحياتك حتى تستطيع ان تكون متزنا. هذه هي الحياة وهذه هي الامور.
لم يمر وقت طويل على انفصالهما حتى عادا الى نفس الكاهن وفي يد كل منهما رفيق اخر لكي يتزوجا. ولكن هذه المرة كانت لديهم الخبرة التي جعلتهم بدون تردد ان يختارا القسيمة الزمنية !!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية