حدث في مثل هذا اليوم ( قصة قصيرة )


عند اقتراب الحافلة التي كانت تقل المسافرين من مكان الاستراحة المتفق عليه بين السائق وصاحب المكان. نظر محسن من النافذة يتطلع الى وجوه الناس العابسة في صباح هذا اليوم الذي لم يبدأ بعد. وبرغم ان الدكتور نصحه مسبقا بعدم التوغل في قرءاة وجوه وافعال الناس حتى لا يصاب بالاكتئاب الحاد ، الا انه ينسى احيانا نصائح الطبيب ويقوم بفعلته على غير وعي منه. نزل الركاب بعد ان توقفت الحافلة وترجل هو وفي يده جرائد الصباح التي تصفحها طوال الطريق. وكعادة محسن دائما في الوقوع في براثن مغريات الحياة، انتبه لوجود محل حلويات شرقية يمتاز بالشهرة بين اهالي هذه البلدة. فراودته نفسه على شراء علبة من هذه الحلويات. ولكنه هذه المرة بالذات لم يكن يرغب بشرائها لكي يتذوق منها كل صباح مع كوب الشاي ولكنه آثر ان يجعلها طعمة في افواه قوم لا يجدون الى الشرف دربا. والذي هداه الى هذه الفعلة، مثلا كان يسمعه وطاب له ان يطبقه بعد ان ذهب العمر غدرا الا وهو ( اطعم الفم تستحي العين ). وقال لنفسه لماذا لا يجرب نصائح الخائنين ومسالك الهالكين فلربما نجى بما تبقى له من روح وجسد.  وبعد ان هدأت نفسه ، تقدم مباشرة الى البائع وطلب منه علبة من السم الزعاف الذي سيروي به الارض بعد موتها علها تخرج خبثها بعيدا عنه. تبسم له البائع الابتسامة البلهاء وهو يلف له العلبة ثم ناوله قطعة من الحلوى على سبيل الهدية وكأن البائع يكرر ما اراد فعله. فأخذ محسن القطعة من يد البائع وهو يمطره بوابل من الشكر بلسانه ويلعنه بقلبه. فخرج  مسرعا وصعد الى الحافلة مباشرة وجلس على كرسيه ينتظر المجهول. وبعد اطلاق النفير العام ، صعد جميع الركاب الى اماكنهم وتحرك السائق الى وجهته. لم تمر غير لحظات حتى وجد محسن نفسه واقف على الطريق منتظرا سيارة تقله الى عمله. وما هي الا لحظات اخرى حتى مرت سيارة وتوقف قائدها على جانب الطريق داعيا محسن الى الصعود. فركب محسن ثم سلم على السائق وانطلقت السيارة. وبعد قليل وجد محسن نفسه داخل عمله فتوجه مباشرة الى مكتبه ولم ينسى ان يبذر تسليماته على من يمر امامه. الكل مبتسم ، ولكن لماذا؟ لا تعرف.
دخل مكتبه فوجد القوم كأن على رؤوسهم الطير ولا احد ينطق بكلمة والوجوم يخيم على ارجاء المكان. فتساءل ، ماذا هنالك؟ أكارثة حلت ام صاعقة هبطت؟ ولكن القوم ظلوا هكذا فترة حتى نهض احدهم وادلى اليه بقصة مفادها ان احدهم قد رفتته الشركة. ما هذا الصباح النادي؟ سؤال تردد في نفسه.
وبعد سماع جميع الاقوال والاحوال ممن كانوا شهودا على حادثة الرفت. لم يتعجب مما سمع ولم يندهش بحالة فرد وقع عليه الظلم ولم يجد من يناصره. فالقاعدة هي الظلم والعدل هو الاستثناء! ولم يعقب على ردود ظن اصاحبها ان معها الحق فيما فعلت وان الخطأ من نصيبه. فكيف يحكم الظالمين بالعدل؟؟ وكيف لهم ان ينظروا ظلمهم؟ وكيف يستبينوا الحق وهم لايعلمون؟؟ واين مقياس العدل فيما يفعلون؟؟
مرت اوقات تسترعي الانتباه واخرى ليست كذلك ولكن النهاية كانت اثناء افول اليوم . جلس الجميع يتندرون على ما فعل الخائنون. وتبارى القوم في ادعاء ان الله سيعطي المحرومون. وانتهى بعضهم الى التحسبن والتحوقل ولكنهم اقتنعوا بان ارادة الله نافذة افلا تتدبرون؟!!
وهلت الانوار الايمانية على مجلسهم الموقر فجأة ثم اختفت فجأة بعد ان ظهرت علبة الحلوى وبرز منها ما كان مختفيا فتحولت اشلائهم الى اجساد ودبت الروح فيها هؤلاء الاوغاد . وتحلقوا حول العلبة يتنازعون ما فيها وكل همهم اكل بواقيها. فنظر اليهم محسن نظرة المكلوم على ما آلت اليه فواعلنا وشؤم السنون. افبهذا الحديث تفترون فبئس مثل القوم المجرمون.
ولكنه في النهاية آمن بصحة فعلته وجعل التجربة تثبت الامر برمته واصبحت القاعدة هي ظلم اخوته واصبح الفم طريق هدايته. فكتب على جبينه اطعم الفم تستحي العين وان لم تفعل فالظلم آت اليك ، إن هربت ، والى أين؟؟؟!

      

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية