قصة خمسة


بعدما صلى محمود صلاة الفجر ، قام يتمخطر لكي يرتدي ملابسه بتأن وروية. فقد كان ممن يؤمنون بمقولة في التأني السلامة وفي العجلة الندامة. اخذ قرابة النصف ساعة في ارتداء ملابسه ثم توجه الى عمله في الشركة التي التحق بها مؤخرا. لم يمضي على وجوده في الشركة شهران ونصف ، وهي الفترة التي يخضع فيها الجميع للاختبار قبل التعيين المباشر. وعندما وصل الشركة وجد حالة من الهرج والمرج والكل متوتر ومنفعل. وعندما سأل احدهم ماذا هنالك. علم بان اعضاء مجلس الادارة مجتمعين لكي يبتوا في امر الموظفين الجدد.وقد نما الى علم الجميع ان الشركة سوف تعين نص العدد الذي كان يخضع للاختبار طيلة الفترة الماضية وسوف تسرح النصف الاخر. فعلا الوجوم على وجه محمود لما سمع هذا الكلام وخاف ان تحدث في الامور امور ويكون من ضمن النصف سيئ الحظ. فبرق في ذهنه ان يتصل بعمه والذي وفر له هذه الوظيفة حتى يحكي له عن الامر ويرجوه ان يدلي بدلوه لمجلس الادارة حتى يغضوا الطرف عنه. وما كادت هذه الخاطرة تمر حتى رفع سماعة الهاتف على اذنه وكلم عمه وكان ما كان. فبقى محمود مع من بقى واصبح سليل الحظ والتقى. وبينما هو متجه لصلاة الظهر قابل احد المفصولين بين الطرقات. فسأله المفصول عن حالته فرد عليه بالجواب عامته ، وقال له قد وفقني الله وتم تعيني والحمد لله رب العالمين. فتعجب المفصول من القول وهو يعلم ان تقييم محمود اقل من تقييمه ولكنها ارادة العم والخال وكل من كان ذي بال. وليست ارادة الله كما يدعي محمود وما هو الا ان العم موجود. فمرحا لكل من له خال ويا بخت من كان له النقيب خال.
ثم استأذن محمود وهم بالانصراف لكي يلحق صلاة الظهر لانها وجبت!!!
واثناء دخول محمود المسجد لمح الاخ ابراهيم يسبقه الى الصفوف الاولى. فتقهقر محمود قليلا حتى لا يقف بجانب ابراهيم هذا. وكان السبب في ذلك ان ابراهيم لم يكن ودودا وكان يتسم بجلافة الحس والبرودا. حتى ان جميع من كان في الشركة لا يرحبون بابراهيم ولا يزوره احدا حتى وهو سقيم. فكان من عادة ابراهيم الوقاحة بحكم انه لم يكن متعلما تعليم عالي مثل الاخرين . وكانت هذه النقطة تسبب له الما داخليا يجعله ينظر الى الناس نظرة تملؤها الحقد والشرور ويخطئ كثيرا في التفريق بين الحق والفجور. فتارة تراه يستهزئ بمن هو دونه ويدلدل راسه لمن علاه. هكذا دائما تصرفه لكون احساسه بالوضاعة. لذلك كان الجميع يتسابق لتحاشي ابراهيم الجلف كما كانوا يطلقون عليه!!
وبعد ان فرغ الجميع من صلاة الظهر حتى تفرقوا كل الى عمله ، وكان هاني يجلس في مكتبه في الدور التاني يتحدث مبتسما عن نزواته الجنسية وغرامياته اللولبية . ثم عرج على الحديث عن بعض زملائه في العمل الذين لا يفقهون شيئا مثله. فهم تتلمذوا على يديه كما يدعي، فكيف  يناطحونه بعد ان وصلوا لما هم فيه بسببه. انه ربهم الاعلى فكيف لهم لا يعبدونه ويقيمون القداس ويؤلهونه. وبسبب داء العظمة ذلك ، كان الكل يبتسم في وجهه حين يراه ويسبه باقذع الالفاظ بعد لقاه. ولم يمر وقتا طويلا حتى نادى منادي من بين الافاق ان صلاة العصر كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. فقام هاني من مكتبه وتوجه للوضوء ولم ينسى ان يستغفر ربه في كل خطوة كما تقول الاذكار التي يتلوها كل ليل ونهار!!
 ولما قامت صلاة المغرب ، اصطف المصلين خلف عصام الامام الذي يكد في العمل بذل واحترام. فهو شاكر ربه لما وصل اليه ومقبل يد عبده الذي استند عليه. فقال له عبده يوما ، الا اعطيك منصب المدير لتكون لي يد تبطش بكل من تسول له نفسه ان يتراخى في العمل. فانفرجت اسارير عصام طربا وهو يسمع هذا الكلام. وكيف يرفض مثل هذا المنصب الذي سيجعله الكبير بين ليلة وضحاها. فوافق بسرعة تخترق سرعة الصوت على هذا العرض واستلم شغله الجديد ، يكتب التقارير على هذا ويخطئ في هذا ويتجنى على هذا، المهم ان يرضي عليه الاله الاعظم ولا يهم ان يدعوا الناس عليه او يبكون على ما آلوا اليه. وهو على هذه الحالة لاينتبه ان ما فعله بالناس مردود اليه في يوم من الايام ولكن الضعفاء لايفقهون هذا. انها سنة الحياة اللئام ان تجد في كل ركن عصام !!
وقبل صلاة العشاء بقليل  قام عمر، كبيرهم الذي علمهم السحر. ورفع سماعة الهاتف وتكلم مع صاحب الشركة في امر تسريح العمالة الاجنبية وان عليه ان يحل بدلها عمالة مصرية تأخذ ربع مايأخذه الاجانب. نفس العقلية التي تشد اي شركة الى الحضيض ولكنها لا تدري ما تفعل الا بعد ان ينفجر الجرح ويخرج الصديد. فعجبت هذه الفكرة صاحب الشركة وقرر اخضاعها للتطبيق. وفعلا لم يمر ايام الا وكانت الشركة تنفق ربع ما كانت تنفقه. ولكن بعد مرور السنين انخفضت ايضا ارباح الشركة ، حتى ان صاحب الشركة تعجب ولم يعرف ما السبب. فظلوا في طغيانهم يعمهون وضغطوا على الموظفين وزادت ساعات العمل وقل الانتاج اكثر فاكثر. وهم على ذلك لا يدرون ان الانسان لا يعطي الا بقدر ما يأخذ ان استطاع. ففهمناها الاجانب ولم يفهمها الاعراب لذلك تحققت مقولة قائل ( عربت خربت ) بتشديد الراء . ولكن عمر لم ينسى ان يصلي صلاة العشاء بعد ان اغلق الهاتف مع صاحب الشركة!!



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية