One Shot Only


هناك الكثير من المشاهير الذين لم يحالفهم الحظ في رؤية نجاحهم اثناء حياتهم ولكن بعد ان ماتوا ذاع صيتهم في الافاق. فمنهم الموسيقي والرسام والكاتب ومنهم الفيلسوف والمفكر . انها هكذا تسير الامور فكل جديد لا يستطيع الجميع استيعابه في بادئ الامر ولكن بعد ان يفهمه الجميع ينتشر ويصبح عنوانه على كل لسان. لذلك فعلى من يرغب انتاج فكر جديد او ان يستخدم اسلوبا جديدا في الرسم او الموسيقى ، فما عليه الا ان يحصن نفسه من لا مبالاة الناس بانتاجه. فصندوق القمامة هو اقرب اليه من منصة التتويج . ولا يأمل الكثير فيما ينتجه ولا ينتظر الا عبارات الاستهجان في بعض الاحيان. وعليه ايضا ان لا يأمل في استرجاع كل ما صرفه نظير انتاجه . فكل ما ذهب لن يعوض على المدى القريب ، وهذا مؤكد.
انما اذا اراد النجاح او بمعنى ادق اظهار ما لديه من احتراف  لا سيما اذا كان يقدم جديدا تماما ، فيجب عليه ان ينتظر وان يحاول مرة واثنين والف حتى ولو كان على فراش الموت. فخبطة العمر ستأتي حتما اما في حياته او بعد مماته.
وبما انني من المؤمنين بما افعله ، فكان هناك حلم يراودني باخراج كل ما يدور في خلدي في كتاب اضع عليه اسمي واصبح من المقربين. وبعد ان استعدت وتسلحت بكل ما اريد لخوض المعركة ، ذهبت صوب دار النشر التي ستنشر لي عملي الاول وانا كلي تفاؤل وامل. وفعلا تم الاتفاق على كل شئ ، من ورق ونسخ وطباعة وصورة غلاف . وبعد ثلاثة اشهر كاملة ظهر الكتاب الى النور. كنت سعيد سعادة طفل يمسك بأول لعبة له يحضرها له جده. مسكت الكتاب بين يدي وحدقت فيه لكي املأ عيني بكل حرف وسطر .وكدت اصرخ واقول " هاؤم إقرأوا كتابيه ، اني ظننت اني ملاق حسابيه.... "
ومن ثم طفت في الارجاء احاول ان اعلم الجميع بالكتاب وحاولت ان احثهم على شرائه وقراءته . وبعد فترة ليست قصيرة انطفأت جذوة الحماس وما عدت اذكره بعد ان شاهدت مقدار المبيعات التي كانت في بعض الاحيان لا تتجاوز عدد اصابع اليد.
عندها لم اعد اعرف سبب انخفاض المبيعات الى هذه الدرجة ، حتى ظننت انني الوحيد الذي اشتري الكتب فقط في البلد. وبما انني من الناس التي لا تنظر خلفها ، فسرت قدما في الحياة لا الوي على شئ. الا ان ما لفت نظري هو دار النشر التي لا تعرف مقدار سمومي التي يمكن لي ان ابثها من خلال ما اكتب. فهم لا يعرفون وقع كلماتي عندما اغضب . حتى ان براكين الدنيا لا يمكن ان تقذف الحمم التي تقذفها كلماتي اذا غضبت. وها انا قد غضبت ولكم الاسباب..
الاخ صاحب دار النشر تقريبا والله اعلم بيستخدم اسلوب ( one shot )  او ما يعرف بالمرة الاولى فقط . واسلوب الوان شوت هو ان يتقدم احدهم بكتاب ، فتقوم دار النشر بنشره ومن ثم تماطل في دفع ما عليها وتقوم بالتحجج بكل الحجج الممكنة حتى تمل في النهاية . ولا يهمهم كثيرا ما تكتب او ما كتبت طالما انهم حققوا جزء من المبيعات وطالما ان هناك مغفلين لا زالوا يعتقدون انهم على كفاءة لتغيير الكون. وطالما ان هناك من يقوم بالنشر للمرة الاولى وهم كثر. فاذا كان الحال على ذلك ، فما المانع من ان تقوم دار النشر بنشر كل الاعمال لتستفيد هي دون الاخرين . ولا يهم من يكتب او ماذا يكتب طالما يقف على اعتابها من يحاولون ايصال اصواتهم للجميع.
انني رأيت اثناء اصدار الكتاب شباب كثير يقدم اعمالا الى دار النشر ويحاول ان ينشرها برغم ان دار النشر لا تقدم اي دعم مادي وان تكلفة اي كتاب تقع على عاتق صاحبه بالكامل. وبالتالي فالخاسر الوحيد هو صاحب الكتاب لان الدار لا تقوم الا بالتوزيع.
لذلك اكتشفت ان نجاح اي كتاب فعليا ، يجب ان تتوافر له وسائل كثيرة ليس بينها جودة محتوى الكتاب. فحتى لو كنت من الذين يكتبون وراور يا فجل فهناك من الوسائل التي تجعلك ان تكون في مصاف الكتاب العظام. يكفي ان تكون مذيعا او صحفي او لعيب كورة او ممثل او ابوك كان شغال عندنا مصوراتي . المهم ان لا تأمل كثيرا اذا كنت من الطبقة العاملة التي لا تجد وقتا للبحث عن صداقة مع شاعر بيكتب بالعافية في الاهرام مثلا او معرفة مذيع يهل علينا احيانا بوشه الكشري . فالنتيجة الحتمية هي انهيار المبيعات واختفاء الكتاب واسمك الى الابد.
هذه ليست دعوة للتشاؤم انما توضيح صورة اذا اردت ان تخاطر بمالك في صفقة هي اقرب للخسارة منها للمكسب. وللتدليل على كلامي ، فهناك مذيع صار بين ليلة وضحاها مسؤول وبالتالي اصدر كتبه التي بيعت لمجرد انه اصبح مسؤول. فاذا نظرت الى محتوى كتبه ، تجدها من نوعية وراور يا فجل السياسية . ليس بها اي نمط او اسلوب المهم انها تباع والاغرب صورة الغلاف لها مطبوع عليها وشه الكشري والاكثر غرابة هو ان كتابه مطبوع في نفس دار النشر ........

  

تعليقات

  1. يعني من الآخر بتقولنا بطلوا تحلموا .. كان غيركوا أشطر :(
    ماشي بس عموما أنا مش هنكر اين استفدت من البوست ده جدا وأكيد هخليه قدام عيني يوم ما أحب أنشر كتاب

    شكرا يا أحمد :)

    ردحذف
  2. ابدا والله ، ههههههههههههه . انا بس بحب احكي بصراحة زيادة عن اللزوم. انا ذات نفسي حكرر التجربة . اللي فيه داء مش بيبطله.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية