موت العلمانية


 " ايهما ينمو ويترعرع فيه الفكر الديني المتشدد ، الدولة الدينية ام الدولة العلمانية ؟ "
السؤال السابق كنت قد طرحته على الفيس بوك حتى اعرف اجابات القوم فيه . الا ان الحقيقة لم اجد ردا وافيا او شافيا او حتى مقنعا لما طرحته . ولأن السؤال قد يبدو غير مفهوم ، فلم ازد عليهم ولم اشاركهم الرأي لابعد من ذلك . وقبل ان اورد ما افكر فيه او اعتقده ، يجب علي اولا ان ابين ما اقصده من السؤال بالضبط حتى لا يلتبس المعنى على من يقرأه كما التبس على الذين من قبله ..
السؤال هو ، هل ينمو الفكر الديني او اي افكار متشددة في الدولة العلمانية اسرع من نموه في الدولة الدينية ؟ قد يظن البعض ان السؤال في غير موضعه او ان به علة او غير منطقي ولكن الحقيقة غير ذلك وسأوضح ما انا ارمي اليه لاحقا.
لاحظت منذ فترة ليست بالقليلة ان الدول العلمانية الغربية تأوي الكثير من المتشددين بالسليقة على ارضها . حتى ان منهم من هو مطلوب امنيا في بلاده الاصلية . وكنت اتعجب احيانا ، كيف لهذه الدول تأوي مثل هؤلاء البشر على ارضها  وكيف لها ان تأمنهم وتأمن مكرهم . وهناك ملحوظة اخرى سنوردها كجزء من حديثنا فقط ولكن لن نحللها في هذا المقال لان لها رأي ومقال خاص آخر . هذه الملحوظة ، هي ان الكثير ممن نعرفهم وكانوا بيننا في يوم من الايام ونعرف عنهم فسوقهم وفجورهم ، تراهم بعدما سافروا الى الغرب وعادوا الينا بعد فترة من الزمن يطلقون اللحى ويقصرون الثياب ويعبدون الله كما قال البخاري ومسلم . كيف للغرب العلماني الكافر كما يطلقون عليه يحولهم بين ليلة وضحاها الى مؤمنين اشد الايمان ، يبغون الحور العين ولديهم ميل غريب الى تفجير انفسهم عملا بقول (ولاد الحرام اللي قرفونا في عيشتنا ) . هل اصبح الغرب هو منبع التطرف وصار يصدره لنا بعد ان كنا نصدره اليه ؟ وما الاسباب التي ادت الى ذلك ؟؟!!
بعد طول تفكير اكتشفت ( وقد اكون مخطئا ) ان الدول العلمانية هي ارض خصبة جدا لنمو الافكار المتشددة وتكاد تكون اصلح من الدول الدينية في نشوء الافكار المتطرفة . والسبب الرئيسي لهذا النمو هو العلمانية ذات نفسها !!
فالعلمانية لما لها من مبادئ حرية الانسان في الفكر وحريته في اعتناق واعتقاد ما يراه صحيحا ، اعطت بدون ان تشعر الفرصة لنمو الافكار جميعها سواء كانت بناءة ام هدامة. ولكي تنمو اي فكرة يجب ان يكون لها ثلاثة اشياء رئيسية، اولها مجموعة من الافراد يؤمنون بهذه الافكار وثانيا التربة الصالحة لها وثالثا المعين الذي يغذي هذه الافكار . واذا اخذنا بالتحليل هذه العناصر ، نجد ان مجموعة الافراد تشكلت على مر الزمن عن طريق الهجرات التي بدأت منذ بدايات الصراع الديني في الشرق الاوسط الذي كان عبد الناصر هو المدشن الاول له والذي بلغ ذروته بإغتيال السادات . هذا النزوح بدأت مسيرته الاولى في اتجاه السعودية ثم تلاه بالهجرات الى الدول الغربية بعد ان توقفت السعودية عن تغذية هذا الفكر بالمال. العنصر الثاني في مصفوفة نمو الافكار كانت التربة الصالحة وهي التي نركز عليها هنا لانها مربط الفرس. فالدول الغربية اعطت هؤلاء المهاجرين حرية الحياة بكاملها ولم تدقق فيما يحملوه من افكار قد تكون نكبة على هذا المجتمع . وبما ان العلمانية لا تفتش في النوايا ، صار هؤلاء مثل الجرثومة التي ما لبثت ان تحولت الى طاعون لن يلبث الا ان يضرب هذه البلدان في القريب العاجل . لذلك اكاد اجزم ان الحرية التي اعطتها العلمانية للبشر لن تمكث كثيرا امام هجمات الافكار المتطرفة التي لن تسكن الا بانهيار العلمانية وعودة الديكتاتورية في ابشع صورها عندما تجد هذه المجتمعات نفسها بين الحياة والموت . وهناك مؤشرات كثيرة تدل على ازدياد نسب التشدد في هذه البلدان وكلنا رأينا الجلباب والنقاب في شوارع لندن وباريس . ورأينا كيف يتخذ بعض المتطرفين هذه الدول مخبأ للانقضاض على بلادهم الاصلية. وهناك الكثير من الحوادث التي تحدث بين الحين والاخر لتؤكد بان هؤلاء القوم يستخدمون العلمانية اسوأ استخدام. وكيف ان الكثير منهم يرتكب الجرائم باسم الاسلام . هؤلاء القوم لا يعرفون قيمة الحياة ولا يقدرون قيمة العلمانية التي اعطتهم قبلة الحياة لكي يعيشوا مكرمين في بلاد غير بلادهم. واذا كانت هذه نقطة ضعف العلمانية فماذا نقول عندما نكتشف ان بعض الدول الغريبة تدعم هذه الافكار المتشددة ، وهو هنا الرافد الثالث او العنصر الثالث الذي اشرنا اليه .؟
هذه الدول تلعب بالنار لانها تعتقد انها قد تضغط على بعض الدول العربية . او انها تستخدم هؤلاء المتشددين في الصراعات والحروب التي تستعر الان في الشرق الاوسط . ولكن المؤكد انها ستحترق بهذه النار ولن تنفعها علمانيتها عندما تجد نفسها تسقط بين براثن انياب التشدد الديني والمذهبي.
الغرب الان لا يعي هذه الحقيقة جيدا ولا يدرك مدى الخطورة التي يحملها اصحاب الفكر الداعشي . وتتغاضى في الكثير من الاحيان عن بعض التصرفات التي ياتيها هؤلاء وتترك الكثير منهم يعبثون بأمن دولهم الاصلية معتقدة انها بذلك تحقق مصلحة شخصية لديها . الا انها ستصدم في يوم لناظره قريب عندما تجد من مدت اليهم يدها يأكلونها كما تأكل القطة اولادها احيانا . فمثل هؤلاء لايعرفون للشرف معنى ولا للحق قيمة ولا يقدون من وقف بجانبهم وساعدهم لما جبلوا عليه من افكار مسمومة نحتوها نحتا من كتب صفراء وغذتهم عقول حمقاء . فكيف يعرفون معنى العلمانية التي وهبتهم الحياة واعطتهم الفرصة ليكونوا بشرا بدلا ان يكونوا سفهاء .
وخلاصة القول ، ان استمر الوضع على ما هو عليه ، فلن نجد الغرب غربا كما عهدناه وانما سنجد بقايا دول كانت في يوم من الايام مفخرة الحرية وقلعتها ومأوى العلمانية وحريتها .

واني لاشم رائحة الدمار من الان ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية