الحكم السنية في البطاطس المهرية


هناك أكلة تسمى ماش بوتاتو ، وهي عبارة عن بطاطس مسلوقة ومهروسة مع قليل من الزبدة ويضاف عليها ملح واحيانا قليل من التوابل. وهي تقترب من البطاطس البيوريه الفرنسية. وكل من اكل الماش بوتاتو يعلم طعمها اللذيذ. فهي وان كانت بسيطة التحضير ولكنها غنية الطعم والتوقير. وهنالك ، فليس كل مهروس سيئ ولكن احيانا يكون له اختلاف في الطعم عن اكله صحيحا. فاذا اسقطنا شكل هذه البطاطس المهروسة على الواقع الذي نعيشه نجده قد يكون مشابها قليلا طريقة البطاطس المهروسة. فجل ما يحدث يقترب من العك، ولا نقصد بالعك القبيلة التي كان غراباها يحجون الى البيت قبل الاسلام ولكن نقصد منها ان نشبه الاحداث الجارية بانها مهروسة ومعجونة على نار هادئة. فنجد احيانا من ينقد الاوضاع الحالية بالسوء وان الناس لم تعد تتقن عملها، ولكنه وياللعجب لا ينظر الى نفسه ويكتشف انه مشارك في هذا العك. وتحضرني واقعة حدثت بالفعل عندما كنت دارسا في احد المعاهد العليا، انه ذات صباح دخل المحاضر وكان يعطينا مادة – ما فيش داعي لذكر اسمها – فانطلق يشرح قرابة النصف ساعة ثم عرج ليتحدث في موضوع الثورة والاخوان وما فعلوه بها. وكان سبب ذلك ان احد الدارسين نكشه في هذا الموضوع . فلم يزل يتمادى في الحديث حتى قاربت الحصة على الانتهاء. وقبل نهاية الحصة بلحظات وجدناه ينقد افعال البشر وانهم اصبحوا لا يتقنون شيئا ولا يفهمون. العجيب في الامر انه لم ينتبه الى انه مشارك في هذا العته بما قد فعله من ترك تدريس الحصة والانطلاق في طرح موضوع للمناقشة يثير حفيظة المتكلمين بالفطرة. فهاج الفصل وماج ، كل يدلي بدلوه لاستعراض عضلاته وايضاح ان الاخ مضطلع شديد . فاصبح الوضع في النهاية يشبه تماما البطاطس المهروسة ولكن بدون اي بهارات. هذا المشهد يتكرر كثيرا ولكن بصور مختلفة ، احيانا بدون زبدة او ملح واحيانا بعدم سلق البطاطس. وكون هذا المشهد يعتبر مضيعة للوقت الا انه مريح نفسيا وجميل في بعض الاوقات التي نحتاج فيها الى التنفيس عما يجول بخاطرنا. واننا والعهدة على الراوي نجد ان ما يفعله بعض الشيوخ من فتاوي قميئة تجعل المشهد الديني يقترب ايضا من البطاطس المهروسة. فالفتوى المنطلقة هذه الايام من سن دستور يسمح للبنت التي لم تبلغ الثامنة او التاسعة من الزواج بحجة ان الرسول فعلها تجعلنا نضحك ملئ شدقينا(1). 

 فالكتب الموضوعة التي يستخرج منها هؤلاء الملتحين لا تجزم بصحة هذا الكلام. ودليلنا على ذلك ان نفس هذه الكتب اختلفت في كثير جدا ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، زمن ميلاد الرسول ووقت وفاته وعدد اولاده وعدد زوجاته واسمائهما. فكلها لا تخرج عن كونها افتراضات لا تقطع بصحة امر من هذه الامور. ولا يجب ابدا ان نجزم بصحة كتاب موضوع من قرون بنسبة مائة في المائة. لاننا ساعتئذ نكون قد اقررنا بصورة مجازية انه يقارب القرأن في صحته وبالتالي نكون اشركنا ضمنيا بالله. فهذه الامور لا يمكن ان تؤخذ بهذا القياس لانه امر دنيوي. بمعنى انه يخضع لاحتكام العقل والمنطق ورأي العلم فيه. وهو امر مشروع من الناحية الفقهية والعلمية والدينية ولا يوجد ما يمنعه. فامورنا الدنيوية هي خاصة بنا تتغير بتغير الزمن. بمعنى ان ما قد صلح للسلف لا يقطع بالضرورة صلاحه للخلف. حتى ان الرسول كان يأخذ بالعقل في بعض الامور الدنيوية وهذا امر صحيح. وقصة تلقيح النخل موجودة في صحيح مسلم وما حدث فيها من قول الرسول بانهم اعلم بشؤون دنياهم. فكل امر لم يقطع فيه بالقران يخضع حينها للعقل ليعمل فيه. حتى ان هناك امور كثيرة قطع فيها القران ولكنها لم تتبين للعامة ومنها حديث عمر بن الخطاب في البخاري عندما كان يسأل الرسول عن الجد والكلالة وابواب الربا والرسول لم يعطه اجابة شافية.
والقران قد صرح في غير موضع عن اتخاذ سبيل العلم ومنها في سورة طه " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) " فالعلم هو السبيل لنجاة الانسان من سقطات الهوى. والعقل هو الطريق الذي يجب ان نستخدمه لتبيان الصالح من الطالح.
الى هنا قد نكون اوضحنا ما نرمي اليه فان اصاب خيرا فالحمد لله وان اصاب غير ذلك فالتوكل على الله. وما نتمنى الا ان يفقه القوم المهروسين........

1 - والشِّدْق: شِدْق الإنسان والدّابّة، وهو لحم باطن الخدّين من جانبي الفم؛ شِدْق وأشداق. ورجل أشْدَقُ وامرأة شَدْقاءُ، إذا اتّسعت أشداقُهما

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية