الحملة القومية للبحث عن الكومبليزون


هل تتذكر وانت مراهق عندما كنت تقف في البلكونة تبحث بنظراتك البلهاء عن شباك مفتوح او شيش بلكونة نصف مغلق؟ هل تتذكر ما كانت تفعله بك بنت الجيران عندما كنت تشاهدها وهي تقف في حجرتها بالكومبليزون؟ هل تتذكر معداتك الجهنمية وادواتك الشيطانية التي كنت تستخدمها خلف نافذة حجرتك لكي تقرب لك البعيد وتلتقط بها الغريب؟ بالتاكيد انت تذكر كل هذه المشاهد ، ولكن اين ذهب الكومبليزون؟ اين اختفت بنت الجيران التي طالما اشتقنا الى رؤيتها؟ اين اختفت النظرة التي كانت تطلقها تجاهك عندما تكتشفك وانت تراقبها؟ اين اختفت الارض التي طالما ابتلعتنا بعد ان تم اكتشافنا صدفة ونحن نمارس الفعلة الشنعاء. صور جميلة لم تعد موجودة بسبب ضيق المكان الذي كان متسعا. الا تسلم معي بان اقتراب البيوت ببعضها دفع الجميع الى الاختباء؟ الا تسلم معي بان العشوائية دفعت الجميع الى البعد عن الحياة؟
فالحي الذي كنت تقطن فيه لم يعد كذلك بسبب ازدحام البيوت والشوارع. الشرفة التي كنت تبحث عنها اختفت وحلت محلها شرفات تتقارب حتى انك لا تلمح منها الا اجساد منهكة ليس لها اي رغبة في التجمل او التزيين. وبعد ان كان هناك منزل واحد مقابل لمنزلك اصبحوا ثلاثة، يسكن بها اناس لا تستطيع ان تميز وجوههم او ان تتعرف على اعمارهم. بنت الجيران لم تعد جميلة كما كانت ولم تعد تفتح الشباك لكي اطل عليها منه. ابتعد الجمال عنا في كل شئ. حتى التنفيس عن مشاعرنا وراغبتنا لم نعد نستطع البوح بها. الشمس التي لم تكن تخفي نورها عن البيوت ، اصبحت تاتي على استحياء وكانها تتكبر علينا. هناك شئ كبير مفقود وعلينا ان نحارب لكي نسترجعه والا ستمضي بنا الحياة الى طريق مجهول.
لم تعد الشرفة كما كانت ولم يعد الوقوف فيها يثير اللهفة والشوق بعد ان غطتها الحجب والستائر. كانت في يوم من الايام ملجأنا ومحرابنا ولكنها اليوم غدت مكان لنشر الغسيل القذر ليس الا. تقوقعنا داخل اسوار البيت ولم يعد لنا منفذ نرى منه حرية الانسان. حتى ان بنت الجيران اختفت بين زحام الشرفات ولم تعد تلمحها اعيننا ولم يتبقى في النهاية الا ابن الجيران ينظر الينا بتوجس وخيفة كأننا ليس لدينا الحق في النظر والتطلع وباتت اعيننا محل شك واتهام حتى ولو لم توجد بنت الجيران. ولم نعد نسمع الا اصوات الستائر وهي تنزلق على الشرفات معلنة اختفاؤها الى الابد. وبات الوقوف في الشرفة محل شك من الغريب والقريب وكان هذا الجزء من البيت قد مسه شيطان الرذيلة فرجمناه لكي لا يعود الى سابق عهده.
اين انت ايها الكومبليزون ، اين الوانك الزاهية وتقسيماتك الحانية؟  الا تعود الينا يوما حتى تهدأ ارواحنا المعذبة من شقاء الحياة وتعاستها؟ الا تعود الينا حتى نستعيد رشدنا ونبتعد عن ملوثات الحياة؟ الا تعود الينا حتى تتسع الدنيا ويعود نور الشمس كما كان؟ الا تعود الينا حتى تبتعد البيوت قليلا عن بعضها فنشم عبير عطرك العليل؟ الا تعود الينا حتى تعود بنت الجيران بغنجها ودلالها؟ الا تعود الينا حتى تعود الشرفات باسقة بدون حجاب؟ الا تعود الينا حتى تعود السكينة الى النفس؟
انها دعوة للبحث عن البسمة والامل ، دعوة للعيش والتسامح مع الاخر . ان لم نتقارب الى بعضنا في العلن فسنتباعد في السر ونفقد اهم الصفات الانسانية. ان لم نتقارب سنختفي من الوجود ولن يكون ظهورنا الا ومضات تاتي من المجهول. ان لم نتقارب سنبحث عن بنت الجيران داخل نفوسنا وستاتي في صورتها الشاذة. فنقع في مهالك الشذوذ الفكري والعقلي. الستر والحجب ليسوا من طبيعة الانسان ولكنها من طبيعة بعض الحيوانات التي لا تستطيع ان ترى النور. انها طبيعة خفافيش الظلام ، فلا تكونوا مثلها..
ابحثوا معي عن الكومبليزون.









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية