فلسفة الطز


معظمنا قد شاهد الحاج مهدي عاكف عندما قال طز في مصر. ولن نخوض او نحلل نوايا الحاج مهدي ولن نحاول ان نتتبع سياق كلامه لمعرفة ماهية المقصود بالضبط  لانه قد نال كفايته من التقريع والتقريظ من وسائل الاعلام والكتاب والصحفيين ومن كل عابر سبيل. ولكن الذي يهمنا من اعادة طرح هذا الامر ، هو محاولة استكناه مفهوم فلسفة الطز التي بدأت في الظهور علانية بعد ان كانت مخفية. هذه الفلسفة بدأت في الظهور والانتشار بين جميع طبقات الشعب ولا يخالجني ادني شك في ان الجميع يستخدمها في مفردات لغته اليومية. وبما ان الشئ بالشئ يذكر ، فلا يجب ابدا ان ننسى  اشهر طز في تاريخ السينما المصرية والتي قالها الممثل القدير حمدي احمد في دور محفوظ عبد الدايم في فيلم القاهرة 30.  هذا الفيلم بالذات هو المدشن الاول لفلسفة الطز علانية حتى اننا نكاد نشاهد هذا الفيلم بالذات لرؤية تعبيرات وجه محفوظ عندما يطلقها.
عند هذه النقطة علينا ان نعرج قليلا لكي نتعرف على الفرق بين طز محفوظ وطز مهدي عاكف . فالفرق بينهما عظيم لو كانوا يعلمون. فاذا بدأنا بدراسة طز محفوظ وجب علينا دراسة سيكلوجية الشخصية التي كان يقوم بها. فمحفوظ هذا الانسان البائس الذي لا يعرف للمستقبل طريق او يقيم له وزن أي صديق ، إرتأى ان يتسلق سلم المجد عن طريق بيع شرفه وعرضه ونال في سبيل ذلك الخسة والوضاعة. هو مظلوم من زاوية العدل وليس ظالم لانه لم يجد مخرج مما هو فيه الا اتباع هذا الطريق . لذلك كانت طزه محاولة  لكي يهون على نفسه حياته البائسة ومحاولة للخروج من مأزق الفقر. هو لم يضر احد بطزه ولم يرتد مفعول الطز الا عليه سواء بالخير او بالشر. هو في النهاية سيحاسب على معصية ليس لها حد لانه لم يضر احدا . لان الحدود التي وردت في القران لا تقوم الا على من أضر الناس اما المعاصي التي يرتكبها الانسان في حق الله مثل الكذب والرياء وحتى ترك الفروض لن يحاسب عليها الا في الاخرة. وعليه ، فطز محفوظ هي طز المجني عليه وليست طز الجاني.
اما اذا طرقنا باب طز الحاج مهدي ، نجدها من نوعية طز الجاني. لانه استشعر بان يد القانون لن تطاله. هو ارتكن على قوة جماعته عندما شاهد الدنيا تقبل عليهم. وعلم بأنه قادر على ان يتفوه بها بعد ان سقط سوط الجلاد الذي كان يقف لهم بالمرصاد. لم يهاب الموقف او يتردد فيها لعلمه بانه اصبح فوق القانون.
ونحن من موقفنا هذا لا نعيب طز الحاج مهدي لاننا نراها بكل اسف في ادبيات الناس هذه الايام. ولا يجب علينا ان نلومه على طزه لاننا في الهم سواء. فأنت ذات نفسك تستخدمها احيانا بدون شعور بأدنى ذنب في حياتك اليومية. ولكي أدلل على كلامي هذا ، فما عليك الا ان تشاهد نفسك وانت تلقي بالقاذورات من نافذة سيارتك او منزلك وتردد كلمة طز لعلمك بان لا احد يهتم. وحتى لو اهتم احد فلن يضيرك ان تسمعه اقذع الالفاظ لعلمك ايضا بانه لن يستطيع ان يفعل شئ في غياب القانون. واذا صعدنا قليلا في درجات سلم الطز ، نجد من يحتال على الاخرين ويوقع لهم شيكات ويأخذ منهم المال ثم يهرب وعندما تبحث عنه وتجده، تسمع الكلمة المعتادة منه وهي ( اللي عندك اعمله ) او بمعنى ادق طز كبيرة. والسبب الذي دفع البعض لذلك ليس عدم الخوف من السجن انما يكمن في اليأس الذي جعل الجميع لا يخشون من عواقب فعلهم المجنون. هذا اليأس هو ما جعل كلمة طز لها وزنها في افعالنا حتى ان من كثرة استخدامها اصبحنا لا نستطيع ان نفرق بين الخطأ والصواب. وباتت شريعة الغاب هي المسيطرة على مجريات الحياة، الاقوى يغتال الضعيف والغني يقتل الفقير. وامسى سلاح الطز هو الانجع بين كل الوسائل. لذلك لا يجب علينا ان نتعجب عندما نشاهد تمرد الضعيف والفقير ومحاولته الانعتاق من هذا الجحيم المخيف. فكل جرائم القتل والسرقة بالاكراه والشذوذ انما هي صرخة المجني عليه ضد طز المجتمع التي اصبح يراها في كل مكان يذهب اليه. هذه الجرائم التي ترتكب انما هي وسيلة الضعيف للوقوف ضد اوثان الطز التي شيدها مجتمع الطغاة. واذا لم يصحح المجتمع اوضاعه ويمحي كلمة الطز من قاموسه فلن ينال الا مزيدا من التدمير ولن يتبقى في النهاية الا ركام فوق حروف الطز..!!!
  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية