شفيق OR مرسي



هذا المقال لايتم على مستوى مناقشة العقل الثقافي الراهن للانسان المصري ولكنه يتم على مستوى العقل الجمعي المواطني البسيط المنغمس في ظلامات الحاضر بكل غثه وسمينه. وبما انني لا ادعي بمعرفتي الكاملة بكل علوم الانسانيات فكل ماهنالك هو طرح رؤيتي للحاضر المعاش من خلال المنظومة الحياتية الجارية حواليّ. سواء في الشارع او الحي الذي اقطن فيه او العمل او مشاهداتي لادوات الاعلام سواء كانت مرئية او مقروءة او مسموعة. فانا المواطن البسيط الذي يسكن بجانبك او زميلك في العمل او حتى زوجتك!!

فالانسان المصري اليوم اقل شأنا من مصري الامس بكل اسف وحسرة بالرغم من كل ادوات المعرفة المتاحة اليوم والتي لم تكن توجد على مسرح الحياة حتى وقت قريب. فالانترنت ووسائل الميديا ذات التكنولوجيا الحديثة لم ترفع من مستوى الوعي العام من الناحية العلمية المفيدة له ولمجتمعه ولكنها اخذته بعيدا الى غياهب المجهول المظلم. فقبل ظهور القنوات الفضائية المتعددة لم يكن لدى المصري الا قناتين على التليفزيون المصري تحدد مساره العام، وكانت هاتين القناتين تلمان بقدر من العلوم والمعارف التي تنمي وعي الانسان وتزيد من ثقافته ولم يكن له حينها الا ان يشاهدهما بحكم عدم وجود غيرهما. ولكنه للاسف عندما انفتحت امامه طاقات القنوات المتعددة ، تركنا له حرية الاختيار بينهما فانحرف عن الاختيار السليم لانه لم يكن لديه المقياس الذي يبني عليه حسن اختياره. فلم يعد يهتم بمشاهدة المواد العلمية او الثقافية ولم تدرج في جدول اهتماماته وبالتالي انخفض مستوى الوعي العام وكادت تضمحل ثقافته. ومثلها مثل الانترنت والذي تحول الى اداة عاطلة ناخذ منه القشور بالرغم من الامكانيات الهائلة المتاحة ، والدليل على ذلك ارتفاع معدلات تنزيل الافلام بنوعيها – الجنسية والعامة – وتنزيل الالعاب والتي لا تؤتي ثمارها. وفي المقابل انخفاض مستوى تنزيل الكتب وعدم البحث عن المواد الثقافية والتعليمية.

حتى ان كثرة وسائل الميديا سواء كانت مقروءة او مسموعة تسبب نوع من انواع التشويش لكل من حاول الاقتراب منها ، لانها لا تسير على نسق علمي واحد ولكنها تحيد في بعض الاحيان عن بعضها البعض ، فتجد مثلا في احدى الجرائد موضوع او مقال يناقض نفسه في جريدة اخرى. هذا التشويش يسبب اضطراب لقارئه ويجعله لايستطيع تحديد رؤية واضحة لاي موضوع قد يشغله في هذه المرحلة.

وسوف اسوق ثلاثة او اربعة امثلة لحالة التوهان التي نعيشها ونكاد لانشعر اننا بمأزق، من هذه البرامج برنامج باسم يوسف وهو برنامج من نوعية البرامج الساخرة التي انتشرت مثل السرطان. لايقدم هذا البرنامج اي شئ الا الكوميديا والسخرية على بعض الناس. صحيح اننا نضحك عندما نشاهده ولكن مواد البرنامج لاتحوي اي شئ مفيد، فمن هو المشاهد الذي يستهدفه البرنامج؟ بالطبع هو الانسان المصري الحالي الذي لم يعد يهتم الا بالضحك على اي شئ. ولسان حالنا يقول ،( ياعم سيبك خلي الواحد يضحك،  هو الغم ورانا ورانا ، والله المصري ده ابن نكتة ) هذه التبريرات المعلبة جعلتنا نوقن فعلا بوضعنا وباننا لانستطيع تغيير واقعنا بحكم ان الجميع في نفس المركب. هذه النمطية في حياة الهزل خلقت شعب لايعرف الجد ، فتراه يضحك على مواقف لاتضحك ويغضب على مواقف تافهة ويتصرف بتصرفات يعاقب عليها القانون ولكنه لايعير اي انتباه الى ما يفعله. وهناك الكثير من الامثلة على ذلك مثل برنامج باكوس على الانترنت الذي يؤدي نفس المعنى ولايوجد من ورائه اي نفع.

المثال الثاني هو نوعية الافلام التي تعرضها دور السنيما والتي تحقق ايرادات كبيرة، نجدها من نفس نوعية البرامج الكوميدية ولكنها يزيد عليها كمية من مشاهد الرقص والتعري لجذب اكبر قدر من الشاذين. الغريب فعلا والذي يمكن ملاحظته بسهولة ، ان المصري عنده القدرة والرغبة على دفع خمسة وعشرين جنيه لكي يشاهد فيلما لمدة ساعتين على اكثر تقدير وسوف ينساه بمجرد خروجه من السنيما ولا يوجد عنده اي دافع او رغبة لشراء كتاب بعشرين جنيه فقط قد يعينه على فهم واقعه ومستقبله. الغريب في هذا الموضوع اننا فعلا قد نضحي بمال ممكن ان نكون في احتياج اليه لشئ لايسمن ولا يغني من جوع. هذه التصرفات لها تفسير في علم الفسيولوجي- نوع من انواع الهستيريا-  فنحن لسنا بعيدين عن بعض الامراض النفسية المنتشرة في المجتمع المصري والتي لايجب ان نتغافل عنها ابدا.

فاذا قال قائل بان ليست كل البرامج تافهة ، واخذنا مثلا برنامج الطبعة الاولى لاحمد المسلماني، نجده لايبتعد كثيرا عن بعض الاخطاء التي وردت على لسانه بدون تدقيق في المادة العلمية التي يقدمها. في احدى المرات ذكر المسلماني موضوع عن احد المصريين الذي  اخترع جرار يسير بالهواء. وكان المسلماني يتكلم بجدية مفرطة في هذا الموضوع ولكنه لم يدرك بان ما يقدمه هو ( ضحك على الدقون ) بسبب ان صاحب الاختراع لايستطيع ان يسير الجرار بالهواء بدون بنزين او اي مواد بترولية كما ادعى. فالقانون الاول للديناميكا الحرارية (قانون بقاء الطاقة) والذي يقول بان الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم ولكنها يمكن تحويلها من صورة لاخرى. هذا القانون يقول لنا بانه اذا اردت ان تسير عربة بالهواء فانت في حاجة الى موتور هواء وخزان لحفظ الهواء المضغوط بداخله الذي سيستعمل لادارة الموتور. فاذا حققنا هذان الشرطان وجب ايجاد وسيلة شحن للهواء، وهي في هذه الحالة ضاغط الهواء والذي يحتاج الى مولد كهربائي لادارته او محرك ميكانيكي. واذا حققنا هذه الشروط جميعا فلن يستطيع الجرار السير الا لمسافة محدودة وجب عليها ملئ خزان الهواء لكي يستطيع تحريك الجرار. ولا يمكن باي حال من الاحوال نزع خزان الهواء لملئه كل مائة متر مثلا فهذا هراء. وفي كل الاحوال سيحتاج لمصدر طاقة سواء الكهربائية او الميكانيكية!!

المثال الاخير لحالة البؤس التي يعيشها الواقع المصري هو كم البرامج الحوارية والتي يدعي مقدموها انها مفيدة مع ان النظرة الفاحصة لما يقدموه لاتختلف كثيرا عن انها مجرد برامج دردشة لا يمكن ان تفيد المجتمع. فرأي الضيوف التي توجد في هذه البرامج هو اولا واخيرا رأي لايرتقي الى مصاف الدراسات العلمية. ولا يختلف كثيرا رأيك أو رأيي عما يطرحوه. وفي احيانا كثيرة تجد نفسك تقول ما يقولونه وتردد ما يرددونه. فتميل الى هذا الجانب او ذاك اذا توافقت الاراء. فنحن لا نسير على منهاج علمي او نسق ادبي فكل ما نشاهده هو ترهات.

فاذا جاءت الطامة الكبرى لكي نحدد مستقبلنا ونختار بين شفيق او مرسي، فبالله عليك كيف تحدد اصلحهما لواقع مرير مثل ذلك. كيف تستطيع ان تختار بين اثنين لاتجد مقياس تضعه لنفسك في الحكم عليهم. كيف يمكن ان تختار بينهما وانت لاتعلم كيف تختار ولا توجد لديك ادوات الاختيار. فنصل في النهاية الى محاولة تشويه احدهما لكي ننحي الاخر جانبا. فتجد ان المقياس الذي نتخذه للحكم هو ايجاد السلبيات وليس البحث عن الايجابيات في المرشح. فننظر في النهاية الى السلبية وتكون مقياس حياتنا . ويستتبع ذلك ان يكون اسقاط السلبية على كل شئ هو الفيصل والحكم. الى ان نتحول في النهاية الى شعب يمتلئ قاموسه بالالفاظ النابية ويتمحور اداؤه حول الفياجرا والترمادول وطول العضو الذكري!!!!

 ويكون السبكي هو اسيا العصر الحديث.

 ويا حسرتاه!!