إبن الاكرمين
عندما قال ابن عمرو بن العاص مقولته الشهيرة عندما هم بضرب احد ابناء مصر بسبب خسرانه السباق الذي كان بينهما- انا ابن الاكرمين – لم يدرك حينها ان الايام ستدور وتغدو نفس المقولة قائمة بعد اكثر من عشرة قرون من الزمان ولكن في صور شتى قد لاتحمل نفس الصيغة ولكنها تحمل نفس المعنى. نحن ابناء الكرماء.
لازلنا نعتبر انفسنا في قمة لا يدانينا احد عليها ولازالت بيننا صيغ التعالي بدون سبب نبني عليه هذا الاحساس بالعلو والرفعة. فالمشهد المصري حاليا يعج بالهامات التي ترتفع حينا مصدرة صوتا قد يخيف البعض منا ثم لا يلبث ان يعلو صوتا اخر اعلى منه فنلتفت له وننسى من كان قبله، فالكلام والجدل واحتدام الحديث والمناظرات اصبحت هي همنا الشاغل الذي بتنا ننام ونصحو عليه ولا شئ جديد والعالم من حولنا لا يلفته ما يحدث عندنا الا بقدر ما سوف يؤثر عليه في مصالحه. والجميع دخل في مناوشات لمحاولة اثبات ان معه مفاتيح الغيب والجنة وان مصر ستؤول على يديه الى واحة من عصافير الجنة بدون ان يقدم ماهو السبيل الى ذلك ، وعندما تسال احدهم يكون الرد ان شاء الله سنفعل. ماهو الفعل بالله عليكم ؟ ما هي الخطة التي ستديرون بها عجلة الانتاج؟ وماهو وضعنا الاقتصادي ؟ وما هي المشاريع الاستراتيجية التي سترفع من مستوانا وسط غيلان الدول المتقدمة؟
الم يكفكم كل هذه السنوات الطوال من الكلام؟ الم تنتبهوا الى انكم تضيعون الوقت في الكلام الفارغ؟ ماذا انتم فاعلون الان؟
هذه النغمة من الترفع والعلو في كلمات غالبية المصريين سببها المجد الزائل الذي ولدنا فوجدناه بيننا بدون ان يكون لنا يدا في انجازه والذي دفعنا الى ذلك ابواق ظلت تنفخ فينا الى ان ارتفعنا الى عنان السماء بواسطة الوهم . فصار الوهم حقيقة وانتم لاتشعرون.
والسبب الرئيسي للمشاكل التي تواجهنا الان سببها الحرب النفسية المندلعة داخل نفوسنا. فنحن نعتقد بصحة مانفعله ونؤمن بصحة عظمتنا ومجدنا فكيف ياتي انسان من خارج الكون ليقول لنا او يلمح باننا لسنا على ما نعتقد وباننا اقل مما نتصور. فنثور ونضرب الارض باقدامنا مع التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الامور لان لم ينته القوم عما يتهموننا به والا فضرب النار وقتل كل جبار ولم ننتبه للحظة او نشك حتى بانه من الممكن ان نكون دون المستوى الذي نظن باننا عليه.
فمشكلة التصعيد مع السعودية ، ومشاكل الحوار مع الاحزاب ، ومشكلة مجلس الشعب واعضائه ، وحوارات الثوار ، لاتدل الا عما يجيش داخلنا من تناقض . فالكل مؤمن على انه الصواب والاخرين ليس لديهم من الامر شيئا . فيندفع الكل باتجاه بعضه ويحدث التصادم. ولم نفطن الى ان العمل لايمكن ان يقوم الا على اكتاف الجميع . فقيام الدول وتقدمها لايتم الا بترك الخلاف وتشابك الايدي وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ونبذ الفرقة والترفع والعلو على الصغائر وليس الترفع على بعضنا البعض.
وبسبب اعتقادنا بصحة جميع اراءنا فلا نطيق كلمات النقد، فاذا اردت ان تقتل احد منا، فماعليك الا ان تنقده فيصبح مثل الثور الهائج والذي لايمكن السيطرة عليه ويكون رد فعله هو الهجوم المباشر عليك بدون وعي او تحقق من امكانياته او حتى تقييم هذا النقد الموجه له. وبالتدريج تصبح كلمات النقد عيب وتغيب في مدافن العقل الباطن وتخرج فقط في السر لتتحول الى اشاعات لايعرف مصدرها او تنقلب الى شتائم لايعرف معناها وتغدو النميمة موهبة والغيبة نصح.
وفي المقابل زادت كلمات الاطراء في قاموسنا اللغوي فيستخدمها المدلسون لمصالحهم ويراها الاقربون مفيدة فتكون النتيجة شعب يعظم نفسه في كل الاحوال والازمان في العلن ويلعن بعضه بعضا في السر.
وبعض الدول اكتشفت هذه الحقيقة في نفوس الشعب المصري ولعبت عليها جيدا ، فتجدهم دائما وابدا يحاولون ان يعرفوا ماذا يقول المصريين عن بعضهم البعض في هذه الدول. وتتحايل بعض الشركات لتجنيد عدد من الافراد الذين ينساقون وراء شهوة المال لنقل كل اخبار زملائهم في العمل وفي السكن ، وعندها تنقلب الغربة جحيم بدل ان تكون مأوى وملاذ آمن بعيدا عن الفقر. فيتقاتل المصريين بالخارج حرصا منهم على سلامة مواقعهم وتتشكل صورة لهذه الدول بان المصريين من اصحاب المشاكل ويجب ان يتم التعامل معهم بطريقة لايختلف عليها اثنين الا وهي القمع . فيتولد الاحساس العام بان المصري مهان في الخارج والداخل بالرغم من انه لم يدرك بانه هو من اوقع نفسه في هذا العذاب. وتكون النتيجة الحتمية هي الاغتراب في هذا الكون وبان الدنيا لايوجد بها من يقدر مواهبه. ويتعاظم الاحساس بالاضطهاد وبان الجميع يريد ان يذله فيكون رد الفعل هو تحطيم كل شئ امامه بدون وعي او ادراك.
ولايمكن ان يتقدم المصريين قيد انملة قبل ان يعالجوا المشاكل النفسية التي تضرب باطنابها في غياهب النفس البشرية ويجب ان نتدرب على تقبل النقد وطريقة طرحه والاعتراف باننا بشر قد نخطئ ونصيب. ومحاولة تقييد الشعور بالعظمة الذي يلاحقنا اينما ذهبنا. والاعتراف بان هناك الكثير ينقصنا. عندها يمكن لنا ان نتحقق من سعة الكون وحجم الحيز الذي نشغله بدقة. وتزداد ثقتنا بانفسنا ويقل الشعور بالاضطهاد الذي يساورنا وتختفي مظاهر الفرقة والتناحر.
تعليقات
إرسال تعليق