العسل المر
في صبيحة أحد الايام استيقظت وفاء على حلم مزعج قد رأته في منامها . اتجهت صوب الحمام بعد ان نفضت النوم من عينيها. ظلت في الحمام برهة ثم خرجت مسرعة لكي ترتدي ملابسها وتذهب الى عملها. طفقت تبحث عن حذائها كعادتها كل يوم صباحا. فكانت دائما وابدا تنسى اين وضعته. فكثيرا ما كانت تاتي من العمل منهكة القوى لاتقوى على حمل نفسها. فترفس حذائها بعيدا ثم تبحث عنه كل صباح. وجدت فردة واحدة من الحذاء ثم وجدت الثانية بعد عناء اسفل ستارة الشرفة. وضعت مفاتيح الشقة في شنطتها ثم اغلقت الباب خلفها ونزلت على سلم البيت. ماهي الا دقائق حتى وصلت الى اول الطريق الذي تنتظر فيه سيارة العمل. وصلت السيارة امامها وفتح السائق الباب ثم صعدت الثلاث درجات وسلمت على اصدقائها وهي تتجه الى كرسيها الخاص. فكان كل موظف له كرسي خاص محدد باسمه داخل السيارة وذلك منعا لحدوث المشاحنات والمشاكل. هكذا استلقت على الكرسي ثم راحت تسرح وتفكر كعادتها يوميا في هذه الساعة. شغلها كثيرا الحلم الذي راودها اثناء نومها ولم تكن تعرف ما معناه. ولكنها لم تطل التفكير فيه لانه عكر صفوها قليلا لحظة تذكرها اياه. فأمالت رأسها ناحية اثنين من زملائها يتحادثون خفية ويتهامسون. علت ابتسامة خفيفة وجنتيها لانها كانت تدرك قصة الحب المشتعلة بين زملائها الاثنين. فقد كانت داليا صديقتها مرتبطة بزميلها ياسر وعلى وشك ان يتم عقد القران بينهما.علا صوت صرخة ضعيفة اتت من خارج السيارة سببت قطع شرودها فانبتهت ونظرت خارج السيارة من النافذة لتجد سيدة كادت ان تدهسها سيارة. مرت دقائق الى ان وصلت السيارة مكان العمل ثم خرج الجميع متجهين صوب مكاتبهم. بدأ اليوم عاديا ولم يكن هناك اجتماعات او مناقشات لتشغلها يومها او لتمرر عقارب الساعة من تحتها. فاحيانا يمر اليوم ثقيلا اذا لم يكن هناك حافزا للعمل،فالرتابة في العمل تجعلك اسير الملل اذا لم يكن هناك جديدا تفعله. وتقضي وقتك محتارا في كيفية القضاء عليه ، ولا يهمك كثيرا اثناؤه اذا كنت مجدا ام مستهترا، فالامر سيان ولامناص من فعل ذلك.
انتابتها سنة شرود اخرى وهي مستلقية على كرسيها المتحرك خلف مكتبها. فقفز الحلم الذي ازعجها ثانية الى راسها. لم تعرف كيف تدفعه بعيدا عنها ولكنها استسلمت له هذه المرة علها تجد فيه ما يواسيها محنتها وياخذ جزء من الملل الذي كان يعتصرها.
كانت تحلم بانها في حفل عرس وبانها كانت العريس وتقف بجانبها فتاة لم تتبين ملامحها ترتدي فستانا ابيض. وكانت ترتدي بدلة سوداء والمدعوون يحيطونها من كل جانب. كانت سعيدة بما يحدث ولم ترى امها او ابيها في الحلم ، فاطالت عنقها لكي تستبين موقعهم بين الجمع ولكنها فشلت في العثور عليهم. اندفعت الى الامام بسبب ضغط القوم عليها حتى وصلت الى مكانها في صالة الافراح. وعند هذه النقطة استيقظت من نومها وتعجبت جدا بانها رأت نفسها وقد تحولت الى رجل في الحلم يتشبث بيد زوجته.
لم تدرك معنى الحلم ولم تفهم مغزاه ولكنه كان مؤثرا الى الدرجة التي ذكرتها بانها لم تتزوج بعد وقد تخطى عمرها الخامسة والثلاثون. فكل صديقاتها قد اصبحوا سيدات وهي الوحيدة بينهم التي ظلت فتاة. والذي احزنها كثيرا انها رأت نفسها متزوجة ولكن بانثى!!
انقض عليها سيل من الاسئلة والاحزان ولم تستطع ردعها فانهارت تحت ضربات الهموم. وانفجرت بداخلها الكلمات والتي لم تمل ابدا من تردادها. السؤال تلو السؤال، الى متى ساظل هكذا؟ الى متى سأنام وحيدة بدون ونيس او حبيب؟ الى متى ساظل اشاهد صديقاتي يستعذبون حلاوة الزواج وانا اتنسم شقاق الوحدة؟ الى متى ساظل حبيسة جدران بدون رفيق يؤنس وحدتي ويشل رغبتي؟
مرت ساعات العمل وما احلاها لحظات الشرود حينما تأكل الوقت أكلا. وصلت الى البيت ولم تعرف كيف ركبت السيارة ولا من كلمها ولا حتى كيف وصلت منزلها.دخلت غرفتها لكي تكمل ما بداته في تفسير حلمها وفك طلاسم بوارها.
ما اربح الرجل في هذه الدنيا. حينما يقرر الزواج ، تتراص امامه المئات حتى ولو كان مثل القرد طالما لديه المال لذلك. وعندما يقرر السفر لايجد من يمنعه . وعندما يريد الاكل تتطاول الايادي لكي تناوله ما لذ وطاب. وعندما ياتي الى البيت متاخرا لا احد يؤنبه او يوبخه. واذا اراد ان يمارس الجنس فهنيئا مريئا له في كل وقت وحين. فاذا كان طريق الحلال موجودا فلا مانع واذا كان طريق الحرام معروفا فلن يعلم احدا بذلك لانه ليس لديه غشاء بكارة يفضحه ويوصمه بالعار. اما نحن فلنا القتل والذبح والعار والتشريد.
طارت امامها هذه الاسئلة وهي لا زالت ساهمة في غرفتها.
انتبهت فجاة وهي تواسي نفسها الى فكرة ومضت في رأسها كما يومض البرق في الليلة العاصفة الهوجاء. هذه الفكرة وان بدت غريبة بعض الشئ ولكنها وضعتها نصب اعينها وفكرت فيها مليا. فقالت في نفسها ، كيف اخضع لعملية تغيير جنس لاصبح رجلا؟ ولماذا افعل ذلك بالرغم اني انثى كاملة الانوثة وليس لدي اي علة او مرض يدفعني لفعل ذلك؟ هل افعل ذلك لمجرد اني رايت حلما باني صرت رجلا؟ ماهذا الهذيان الذي يعصفني؟ أأجن ام تراني أصابني الخبل؟
وفي هذه اللحظة أتاها شيطانها لكي يدس في راسها الفكرة دسا ويدفعها لتصديقها دفعا. ويظل بجانبها لكي يؤمن لنفسه صيدا ثمينا ولا يبتعد عنها حتى تقوم بفعلتها ، ساعتئذ يعود ادراجه الى ابيه ابليس ليقدم له قربانا مبينا ونصرا عزيزا مؤزرا على بني الانسان.
اختمرت في راسه الفكرة التي سوف يقنعها بها. فاقترب من اذنيها وهمس حسيسا وقال لها ، لماذا تخضعين لجراحة لتغيرين جنسك ؟ الست تريدين ان تعيشي حياتك كما يعيشها الرجال؟ فدعك من هذه الفكرة القبيحة التي لا طائل منها. انني لدي ماهو اوقع واشد من تلكم الفكرة. انك قد قاربت على الاربعين ولم تتزوجي بعد، وحتى لو تزوجتى فلن يكون هناك ضامن بان الرجل الذي ستتزوجينه هو حامل متعتك وساقي لذ تك. ولن يكون هنالك خيار ان وقعت الواقعة. فكل ما عليك فعله هو ان تتظاهري بتغيير جنسك وتقولي لمن حولك بانك سوف تخضعين لجراحة لكي تزيلي اجزاء من جسمك. ولكي يقتنعوا بك فما عليك الا ان تقولي لهم بانك كنت في الاصل رجل وتحضري شهادة طبية مزورة من اي مكان. وعندما تفعلي ذلك فانت حرة فيما سيحدث بعدها وستصبحين مثل الرجل في كل افعاله ولن يسالك احد فيما تفعليه او تخوضي فيه.
فسالته : ولكن لماذا كل هذا؟
فقال لها: للمتعة فقط، الست ممن يبحثون عن نشوة الحياة؟ الم تسالي نفسك لماذا لا اكون مثل الرجل وافعل كما يفعل بدون خوف؟ الم تطرحي على نفسك السؤال المعضلة؟
فسالته وما هو السؤال المعضلة الذي تدعيه؟
فرد عليها : الا تتذكري عندما قلتي ، ان كثيرا من الرجال قد مارس الجنس قبل الزواج مع مومسات والبقية الطاهرة لم تواتيها الفرصة لفعل ذلك قط، فلم لا تمارس المراة الجنس مع الرجال قبل الزواج؟ هل المانع فقط هو غشاء الفضيحة؟ وهل لو خلقت المراة بدون غشاء بكارة لاصبح الجنس يمارس في كل وقت وحين من قبل النساء ولن يكشفهم احد؟ ولماذا لم يخلق الرجل بغشاء بكارة لتتاكد الزوجة بان زوجها لم يلعب بذيله قبلها؟ واذا اردت المضي في طريق الشرف فلماذا يجب ان انتظر الزوج ولا اذهب الى من اختاره بنفسي؟ لماذا تحوي جعبة الرجل كل مفاتيح الحياة ولا تملك منها المراة شيئا؟
الا تتذكري كل هذا؟
فردت عليه وقالت ، نعم اتذكر ولكنها كانت لحظات صمت وشرود اعقبتها هذه الاسئلة ولا اظن انني استطيع تنفيذ كل ماتقوله.
فرد عليها: افعلي ما اقوله لك ، فاني لك من الناصحين.
تركها وحيدة وقد بعثر اشلاءها بهذه الكلمات وتركها لاتقوى على التفكير الصحيح. استلقت ممددة على سريرها وعلقت بصرها الى السقف وظلت تحدق فيه حتى غلبها النوم من كثرة التعب.
في صباح اليوم التالي لم تقوى على القيام من على السرير فقررت ان لا تذهب الى العمل ، فمسكت هاتفها واتصلت بمديرها في العمل لتخبره بانها ستأخذ اليوم اجازة ، فقد كان لديها الرصيد الكافي من الاجازات التي لم تستغلها بعد. لم يمانع المدير في قبول طلبها لعدم وجود كثير من العمل هذه الايام. احيانا ضغط وكمية العمل تحدد كمية الاجازات التي نستطيع ان ننالها. اغلقت هاتفها بعد المحادثة ثم القت راسها ثانية على الوسادة فغفوت قليلا الى ان ايقظها ضجيج بعض البائعين الجائلين في الشارع. قامت من على السرير وتوجهت الى المطبخ لتعد كوب من القهوة حتى تستعيد ذهنها المفقود. اخذت كوب القهوة ثم توجهت الى الشرفة وجلست على الكرسي ثم بدأت تنظر في وجوه الناس في الشارع. لم يكن ارتفاع الشرفة بعيدا لكي تحقق في وجوه الناس وهي تعلوها الضجر والوجوم. لا تعرف لماذا تغيرت وجوه الناس واصبحت عابسة بعد ان كانت تكسوها مسحة الامل والامان. هل تغير الزمن ام تغيرت طباع الناس ام الاثنان معا. اسئلة تحتاج اجابات لا تاتي ابدا. لم يستغرق كوب القهوة سوى بضع دقائق حتى نفذ عن اخره. وضعت الكوب على المنضدة وهي تحث نفسها على القيام ولكنها لم تستطع. كان الجو صحوا تعلوه رائحة بعض ورود الياسمين فلم تقاوم رغبتها في استعادة اصداء الحديث الذي دار بينها وبين شيطانها. فاستجمعت كل الكلمات الفائتة من الحديث حتى توقفت عند الفكرة الغريبة التي نصحها بان تفعلها. لم تجد بداخلها الرفض الذي انتابها سابقا ثم بدأت تتململ حتى اقنعت نفسها بان تنفذها. فلن تخسر شيئا باي حال من الاحوال. احيانا لا نستطيع تحديد حجم الضرر الذي نوقع انفسنا فيه الا بعد خوض التجربة ، من هنا تاتي الخبرة والمآسي.
بعد ان غيرت اسمها الى باسم وبعد عدة سنوات من خوض التجربة والانغماس في حياة الملذات لم تجد وفاء اي ميزة بين كونها فتاة شريفة عفيفة وبين كونها امراة لعوب ترتدي عباءة الرجل وتختبئ من وصمة العار الذي يلاحق المراة اينما ذهبت. ولم تستطع ان تفهم بان المراة تساوي الحياة وبها تاتي الحياة وما الرجل الا الشيطان الذي يدمر هذه الحياة ويدنسها. لذلك فالمراة محفوظة من الشيطان بهذه الورقة التي تغلف عورتها والتي تعتبر هي التفاحة التي ان اكلت منها لخرجت من الجنة التي كانت تنتظرها.
تعليقات
إرسال تعليق